الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• وجه الاستدلال من هذه الأدلة: تأويل ما روي في حق من تتوق نفسه إلى النساء على وجه لا يصبر عنهن على الوجوب، إذا كان بهذه الصفة فلا يسعه ترك النكاح (1).
النتيجة:
تحقق الإجماع على أن من خاف على نفسه الزنى، وخشي أن يقع فيه، أن النكاح في حقه واجب؛ وذلك لعدم وجود مخالف.
[3 - 3] النكاح مندوب إليه في حال الأمن من الزنى:
إذا كان للإنسان رغبة في النكاح؛ لكنه لا يخشى على نفسه أن يقع في الزنى بتركه، فإن النكاح في حقه مندوب إليه، ونُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع:
1 -
القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث قال: "النكاح مندوب إليه وليس بواجب، وهذا قول الفقهاء أجمع"(2).
2 -
ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن من تاقت نفسه إليه وأمن العنت له أن يتزوج إجماعًا أيضًا"(3).
3 -
النووي (676 هـ) حيث قال: "الأمر عندنا، وعند العلماء كافة أمر ندب لا إيجاب، فلا يلزم التزوج ولا التسري، هذا مذهب العلماء كافة"(4).
4 -
القرافي (684 هـ) حيث قال: "وملك اليمين لا يجب إجماعًا، فكذلك النكاح"(5).
5 -
الصنعاني (1182 هـ) حيث قال: "والتسري لا يجب إجماعًا، فكذا النكاح"(6).
• الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على أن الإنسان إن أمن على نفسه الوقوع في الزنى، فلا يجب عليه النكاح، وافق عليه الحنفية (7).
• مستند الإجماع: ما مضى من الأدلة في مشروعية النكاح استدلوا بها، وحملوها على الندب دون الوجوب، فقالوا:
1 -
قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً
(1)"المبسوط"(4/ 193).
(2)
"عيون المجالس"(3/ 1031).
(3)
"الإفصاح"(2/ 88).
(4)
"شرح مسلم"(9/ 147).
(5)
"الذخيرة"(4/ 189).
(6)
"سبل السلام"(3/ 212).
(7)
"المبسوط"(4/ 193)، و"البناية شرح الهداية"(5/ 5).
أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3]، يؤخذ منه دليلان (1):
الأول: أنه علق النكاح بطيب النفس، ولو كان واجبًا لزم بكل حال، والواجب لا يعلق بالاستطابة، والعدد لا يجب بالإجماع (2).
الثاني: قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء: 3]، فخيره بين النكاح وملك اليمين، والتخيير بين أمرين يقتضي تساويهما في الحكم، فلما كان ملك اليمين ليس بواجب كان النكاح بمنزلته.
2 -
قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النساء: 25].
• وجه الدلالة: أباح اللَّه تعالى نكاح الأَمَة لمن خشي الزنى، وجعل الصبر خيرًا له، ولو كان واجبًا لكان الصبر شرًّا له (3).
3 -
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مسكين مسكين رجل لا امرأة له، ومسكينة مسكينة امرأة لا رجل لها"(4).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرج النكاح مخرج الرحمة، وتارك الواجب لا يرحم، فلما خرج النكاح مخرج الرحمة كان حكمه عدم الوجوب (5).
4 -
قوله صلى الله عليه وسلم: "خياركم بعد المائتين كل خفيف حاذ" قيل: وما الخفيف الحاذ؟ قال: "الذي لا أهل له ولا ولد له".
5 -
ليس في النكاح أكثر من نيل شهوة وإدراك لذة، وليس ذلك بواجب كسائر الشهوات (6).
6 -
لو وجب عليه قطع شهوته بالنكاح، لوجب قطعها عند العجز عنه بما يقوم مقامه من دواء وعلاج (7).
(1)"الحاوي"(11/ 49).
(2)
"أسنى المطالب"(3/ 107).
(3)
"الحاوي"(11/ 49).
(4)
أخرجه الطبراني في "الأوسط" عن أبي نجيح (6589)(6/ 348). وقال الهيثمي: رجاله ثقات؛ إلا أن أبا نجيح لا صحبة له. انظر: "مجمع الزوائد"(4/ 328).
(5)
"الحاوي"(11/ 49).
(6)
"الحاوي"(11/ 49)، و"العناية على الهداية بهامش فتح القدير"(3/ 185).
(7)
"الحاوي"(11/ 49).
• الخلاف في المسألة: ذهب الإمام أحمد في رواية أبي بكر (1) عنه، أن النكاح واجب مطلقًا، سواء خشي الإنسان على نفسه العنت أم لا (2). وهو قول داود (3)، وابن حزم (4)، إلا أن ابن حزم قال: إن علم أنه لا يستطيع النكاح، انتقل إلى الصوم ولا بد.
• أدلة هذا القول:
1 -
قال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3].
• وجه الدلالة: جاء لفظ النكاح بصيغة الأمر، فدل على الوجوب (5).
2 -
عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء"(6).
3 -
قول النبي صلى الله عليه وسلم لعكاف (7): "يا عكاف هل لك من زوجة؟ "، قال: لا، قال:"ولا جارية؟ "، قال: لا، قال:"وأنت موسر بخير؟ "، قال: نعم، قال:"أنت إذن من إخوان الشياطين، إما أن تكون من رهبان النصارى فأنت منهم، وإما أن تكون منا فاصنع كما نصنع، فإن من سنتنا النكاح"(8).
(1) هو أبو بكر عبد العزيز بن جعفر المعروف بغلام الخلال، كان موثوقًا به في العلم، متسع الرواية، مشهورًا بالديانة، موصوفًا بالأمانة، مذكورًا بالعبادة. وله مصنفات منها:"الشافي"، "المقنع"، كتاب "القولين"، توفي سنة (363 هـ). انظر ترجمته في:"طبقات الحنابلة"(2/ 119)، و"المنهج الأحمد"(1/ 362).
(2)
"الإنصاف"(8/ 7).
(3)
"الحاوي"(11/ 49)، و"شرح مسلم" للنووي (9/ 147)، و"المبسوط"(4/ 193)، و"فتح القدير"(3/ 187)، و"المغني"(9/ 341).
(4)
"المحلى"(9/ 3).
(5)
"الحاوي"(11/ 49).
(6)
سبق تخريجه.
(7)
هو عكاف بن وداعة الهلالي، وقيل: عكاف بن بشر التميمي. لم أقف في ترجمته على أكثر من هذا. انظر ترجمته في: "الإصابة"(4/ 441)، و"أسد الغابة"(4/ 65).
(8)
أخرجه أحمد في "المسند" عن أبي ذر (21450)(35/ 357)، وعبد الرزاق في "المصنف"(10387)(6/ 171)، قال الهيثمي: وفيه راوٍ لم يُسَّم، وبقية رجاله ثقات.
وأخرجه الطبراني في "الكبير"(3567)(18/ 158). قال الهيثمي: وفيه معاوية بن يحيى الصدفي، وهو ضعيف. قال ابن حجر: أُخرج من عدة طرق. . . والطرق المذكورة كلها لا تخلو من ضعف واضطراب. انظر: "مجمع الزوائد"(4/ 325 - 326)، و"الإصابة"(4/ 442).
4 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "تناكحوا تكثروا، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة"(1).
• وجه الاستدلال بهذه النصوص: أن هذا أمر، والأمر يفيد الوجوب، ولا ينتقل عنه إلا بقرينة (2).
5 -
أنه إجماع اثنين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يظهر خلافهما (3):
أحدهما: قول عمر رضي الله عنه لأبي الزوائد (4): ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور (5).
الثاني: قول معاذ رضي الله عنه في مرضه الذي مات فيه: زوجوني لا ألقى اللَّه عزبًا (6).
6 -
أن في النكاح من تحصين النفس مثل ما في الغذاء، فلما لزم تحصينها بالغذاء لزم تحصينها بالنكاح (7).
7 -
أن التحرز من الزنى فرض، ولا يتوصل إليه إلا بالنكاح، وما لا يتوصل إلى الفرض إلا به فيكون فرضًا عندئذٍ (8).
النتيجة:
عدم تحقق الإجماع على أن النكاح مندوب إليه إن أمِن الإنسان على نفسه العنت؛ وذلك لوجود خلاف عن الإمام أحمد في رواية أبي بكر عنه، وداود، وابن حزم، الذين يرون وجوب النكاح في هذه الحالة.
• ولقائل أن يقول: ألا يمكن حمل الإجماع على الندب؛ لأن من يرى الوجوب؛ يرى الندب وزيادة؟ فيجاب عن ذلك بما يأتي:
(1) سبق تخريجه.
(2)
"الحاوي"(11/ 48).
(3)
"الحاوي"(11/ 48).
(4)
هو أبو الزوائد، وقيل: ذو الزوائد، -وصحح ابن الأثير- اليماني، وقيل: الجهني. رآه أحد التابعين وهو يحدث بحديث سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فقال: من هذا؟ فقيل: هذا ذو الزوائد صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(6/ 119)، و"الإصابة"(7/ 132).
(5)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(10384)(6/ 170)، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(3/ 271)، وسعيد بن منصور في "السنن"(1/ 164).
(6)
أخرجه البيهقي في "الكبرى" عن الحسن مرسلًا (7/ 112)، وابن أبي شيبة (3/ 271).
(7)
"الحاوي"(11/ 48).
(8)
"المبسوط"(4/ 193).
1 -
أن الحكم الشرعي المترتب على الأمر المندوب إليه، غير الحكم الشرعي المترتب على الأمر الواجب، فإن المكلف إذا لم يفعل الأمر المندوب إليه لا يأثم، بينما يلحقه الإثم إن ترك أمرًا واجبًا.
2 -
يقول الصنعاني: "ودعوى الإجماع غير صحيحة لخلاف داود، وابن حزم"(1).
* * *
(1)"سبل السلام"(3/ 212).