الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني مسائل الإجماع في فرق النكاح
الفصل الأول: مسائل الإجماع في الخلع
[1 - 160] مشروعية الخلع، وأنه مستمر الحكم غير منسوخ:
الخلع (1) من الأمور المشروعة عند سوء الحال بين الزوجين، وهذا الحكم مستمر غير منسوخ، فإذا كرهت المرأة زوجها، لخَلْقه، أو خُلُقه، أو دينه، أو نحو ذلك، وخشيت ألا تؤدي حق اللَّه تعالى في طاعته، جاز لها أن تخالعه بعوض تفتدي به نفسها، ونقل الإجماع على ذلك جمع من أهل العلم.
• من نقل الإجماع:
1 -
الماوردي (450 هـ) حيث قال بعد أن أجاز عمر، وعثمان رضي الله عنهما الخلع لمن طلبته:". . . وهذه قضية إمامين بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الخلع، لم يخالفهما من الصحابة أحد، فدل على إجماعهم وعلى ثبوت حكمه"(2).
2 -
ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "وبهذا قال جميع الفقهاء بالحجاز والشام، قال ابن عبد البر: ولا نعلم أحدًا خالفه، . . . وهو قول عمر، وعثمان، وعلي، وغيرهم من الصحابة، لم نعرف لهم في عصرهم مخالفًا، فيكون إجماعًا"(3).
3 -
القرطبي (671 هـ) حيث قال: "وهو الأمر المجتمع عليه عندنا، وهو أن الرجل
(1) الخلع لغة: من خلَع الشيء يخلَعه خلْعًا أي: نزعه، ومنه نزعت الثوب، أي: خلعته، وخلع الرجل امرأته خُلعًا -بالضم- وخلاعًا فاختلعت وخالعته: أزالها عن نفسه، وطلقها على بذل منها له، فهي خالع، والاسم الخُلع، بالضم. انظر:"لسان العرب"(8/ 76)، "الصحاح"(3/ 467).
اصطلاحًا: اختلف الفقهاء في تعريفه تبعًا لاختلافهم: هل هو طلاق أم فسخ؟
فقال الحنفية: هو إزالة ملك النكاح ببدل بلفظ الخلع، وقالوا هذا؛ لأن الطلاق على مال ليس بخلع، بل في حكمه، وعند الجمهور: عباراتهم متقاربة في تعريفه، فقالوا: هو فراق الرجل امرأته بعوض، انظر:"فتح القدير"(4/ 212)، "الاختيار"(3/ 156)، "القوانين الفقهية"(ص 234)، "مواهب الجليل"(5/ 268)، "روضة الطالبين"(6/ 351)، "الحاوي"(12/ 255)، "الإنصاف"(8/ 382)، "الكافي"(4/ 405).
(2)
"الحاوي"(12/ 257).
(3)
"المغني"(10/ 268).
إذا لم يضر بالمرأة ولم يسئ إليها، ولم تؤت من قِبَله، وأحبت فراقه، فإنه يحل له أن يأخذ منها كل ما افتدت به" (1).
4 -
النووي (676 هـ) حيث قال: "وأصل الخلع مجمع على جوازه"(2).
5 -
ابن تيمية (728 هـ) حيث قال: "إذا كانت مبغضة له مختارة لفراقه، فإنها تفتدي نفسها منه، فترد إليه ما أخذته من الصداق، وتبرئه مما في ذمته، ويخلعها كما في الكتاب والسنة، واتفق عليه الأئمة"(3).
6 -
ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "جواز الخلع كما دل عليه القرآن. . .، ومنع الخلع طائفة شاذة من الناس خالفت النص والإجماع"(4).
7 -
قاضي صفد (بعد 780 هـ) حيث قال: "الخلع مستمر الحكم بالإجماع. . . واتفق الأئمة على أن المرأة إذا كرهت زوجها لقبح منظر، أو سوء عشرة؛ جاز لها أن تخالعه على عوض"(5).
8 -
ابن حجر (852 هـ) حيث قال: "وأجمع العلماء على مشروعيته، إلا بكر بن عبد اللَّه المزني. . . وانعقد الإجماع بعده على اعتباره"(6).
9 -
العيني (855 هـ) حيث قال: "وأجمع العلماء على مشروعية الخلع"(7).
10 -
الشعراني (973 هـ) حيث قال: "اتفق الأئمة على أن المرأة إذا كرهت زوجها لقبح منظر، أو سوء عشرة؛ جاز لها أن تخالعه على عوض"(8).
11 -
الشوكاني (1250 هـ)، فذكره كما قال ابن حجر (9).
12 -
ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "والأصل في جواز وقوعه الكتاب، والسنة، والإجماع، . . . وإجماع الأئمة، كما حكاه غير واحد"(10).
• الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على مشروعية الخلع، وأنه
(1)"الجامع لأحكام القرآن"(3/ 129).
(2)
"روضة الطالبين"(6/ 351).
(3)
"مجموع الفتاوى"(32/ 282).
(4)
"زاد المعاد"(5/ 193).
(5)
"رحمة الأمة"(ص 226).
(6)
"فتح الباري"(9/ 477).
(7)
"عمدة القاري"(20/ 260).
(8)
"الميزان"(3/ 207).
(9)
"نيل الأوطار"(7/ 34، 35).
(10)
"حاشية الروض المربع"(6/ 459).
مستمر الحكم غير منسوخ، وافق عليه ابن حزم (1)، وهو قول عمر، وعثمان، وعلي، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنه (2).
• مستند الإجماع:
1 -
• وجه الدلالة: إذا خاف الزوجان ألا يقيما ما افترضه اللَّه لكل واحد منهما من الحقوق لصاحبه، فلا جناح على المرأة فيما افتدت به نفسها من زوجها، ولا حرج على الزوج فيما أخذ منها (3).
2 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت بن قيس (4) أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أتردين عليه حديقته؟ ". قالت: نعم. قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة"(5)،
• وجه الدلالة: هذا نص من سنة النبي صلى الله عليه وسلم يبين مشروعية الخلع، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد ثابتًا بقبول الحديقة على أن يفارق زوجته.
3 -
إذا جاز أن يملك الزوج البضع بعوض، جاز أن يزيل ملكه عنه بعوض، كالشراء والبيع، فيكون عقد النكاح كالشراء، والخلع كالبيع (6).
• الخلاف في المسألة: خالف بكر بن عبد اللَّه المزني؛ فقال: الخلع منسوخ.
أدلة هذا القول: قال بكر بن عبد اللَّه المزني: قوله تعالى: {خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: الآية 229] منسوخ بقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20)} [النساء: الآية 20].
(1)"المحلى"(9/ 511).
(2)
"المغني"(10/ 268).
(3)
"تفسير الطبري"(2/ 466، 467).
(4)
هو ثابت بن قيس بن شمَّاس بن زهير، الخزرجي، الأنصاري، كان خطيب الأنصار، وخطيب النبي صلى الله عليه وسلم، مثل حسان بن ثابت، شهد أُحدًا وما بعدها من المشاهد، بشّره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وقُتل شهيدًا يوم اليمامة، في خلافة أبي بكر الصديق صلى الله عليه وسلم. انظر ترجمته في:"أسد الغابة"(1/ 452)، "الإصابة"(1/ 511).
(5)
أخرجه البخاري (5273)(6/ 208).
(6)
"الحاوي"(12/ 257).