الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأخبار (1).
[12 - 32] النكاح بلا ولي:
ذكر جمع من أهل العلم أن الصحابة لم يختلفوا في أنه لا نكاح بغير ولي، وبناءً على أنهم لم يختلفوا، وليس في التابعين مخالف، ثبت أنه إجماع كما قال الماوردي (2).
• من نقل الإجماع:
1 -
الترمذي (279 هـ) حيث قال: "والعمل في هذا الباب على حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي" عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد اللَّه بن عباس، وأبو هريرة وغيرهم، وهكذا روي عن بعض فقهاء التابعين أنهم قالوا: لا نكاح إلا بولي منهم: سعيد ابن المسيب (3)، والحسن البصري، وشريح، وإبراهيم النخعي، وعمر بن عبد العزيز (4)، وغيرهم"(5).
2 -
الماوردي (450 هـ) حيث قال: "جاءت السنة بأنه: "لا نكاح إلا بولي"، وقد روي هذا عن ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، وعائشة، وأنس، وعمران بن الحصين، وأبي موسى (6)، وأثبت هذه الروايات رواية أبي موسى، فهذا
(1)"الحاوي"(11/ 83)، و"روضة الطالبين"(6/ 50).
(2)
"الحاوي"(11/ 63).
(3)
هو أبو محمد سعيد بن المسيب المخزومي، أحد أعلام الدنيا، وسيد التابعين، ولد لسنتين خلتا من خلافة عمر، سمع من الصحابة، وجلّ روايته عن أبي هريرة، وكان تزوج ابنته، جمع بين الحديث، والتفسير، والفقه، والورع، والعبادة، توفي سنة (94 هـ).
انظر ترجمته في: "طبقات الفقهاء"(ص 39)، و"شذرات الذهب"(1/ 102).
(4)
هو أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان الأموي، حفظ القرآن في صغره، وأرسله أبوه من مصر إلى المدينة؛ فتفقه بها، جده لأمه عاصم بن عمر بن الخطاب، وكان من علماء "الأمة" ولي الخلافة بعد سليمان ابن عبد الملك، وتوفي سنة (101 هـ).
انظر ترجمته في: "طبقات الفقهاء"(ص 48)، و"شذرات الذهب"(1/ 120).
(5)
"سنن الترمذي"(2/ 354).
(6)
هو أبو موسى عبد اللَّه بن قيس بن حضار الأشعري، قدِم مكة فحالف سعيد بن العاص، ثم أسلم، ثم رجع إلى قومه باليمن، وقيل: بل هاجر إلى الحبشة، ثم قدِم مع الأشعريين في خمسة عشر رجلًا عام خيبر، استعمله النبي صلى الله عليه وسلم، واستعمله عمر، توفي سنة (42 هـ). انظر ترجمته في:"أسد الغابة" =
قول من ذكرنا من الصحابة، وليس في التابعين مخالف، فثبت أنه إجماع" (1).
3 -
ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال بعد حديث ابن عباس: "لا نكاح إلا بولي. . . ": "ولا مخالف له من الصحابة علمته"(2).
4 -
ابن رشد (595 هـ)، فذكره كما قال ابن عبد البر (3).
5 -
القرطبي (671 هـ)، فذكره بنحو ما قال ابن عبد البر (4).
• الموافقون على الإجماع: ما ذكره علماء المالكية، والماوردي من الشافعية من الإجماع على اعتبار الولي في عقد النكاح، وافق عليه الحنابلة في المذهب (5)، وابن حزم (6). وهو قول من سبق ذكره من الصحابة، والتابعين.
• مستند الإجماع:
1 -
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي"(7).
2 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي مرشد، وشاهدي عدل"(8).
3 -
قال الترمذي: وفي الباب عن عائشة، وابن عباس، وأبي هريرة، وعمران بن
= (3/ 364)، و"الإصابة"(4/ 181).
(1)
"الحاوي"(11/ 59)، (63).
(2)
"الاستذكار"(5/ 471).
(3)
"بداية المجتهد"(2/ 32).
(4)
"الجامع لأحكام القرآن"(3/ 75).
(5)
"الإنصاف"(8/ 66)، و"المحرر"(36).
(6)
"المحلى"(9/ 25).
(7)
أخرجه أبو داود (2085)(2/ 229)، والترمذي (1103)(2/ 351)، وابن ماجه (1881)(1/ 590).
قال المناوي: إنه متواتر. وأخرجه الحاكم عن ثلاثين صحابيًّا. "فيض القدير"(6/ 437)، وانظر:"مستدرك الحاكم"(2/ 169).
(8)
أخرجه ابن ماجه (1880)(1/ 590)، والبيهقي عن سعيد بن جبير موقوفًا، ومن طريق أبي خثيم مرفوعًا. قال: والمحفوظ الموقوف.
وأخرجه أيضًا من طريق عدي بن الفضل، عن أبي خثيم بسنده مرفوعًا بلفظ:"لا نكاح إلا بولي، وشاهدي عدل، فإن أنكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل". انظر: "السنن الكبرى"(7/ 124).
وأخرجه الدارقطني عن عدي بن الفضل مرفوعًا. قال: ولم يرفعه غير عدي. قال ابن حجر: وعدي ضعيف.
انظر: "سنن الدارقطني"(3482)(3/ 155)، و"التلخيص الحبير"(3/ 162).
الحصين، وأنس (1).
• الخلاف في المسألة: أولًا: ذهب الحنفية (2)، والإمام أحمد في رواية عنه (3) إلى أن للمرأة أن تزوج نفسها، إذا كان من تزوجته كفؤًا لها، وهو قول الشعبي، والزهري (4).
• أدلة هذا القول: استدلوا بالقرآن، والسنة، والمعقول:
• أولًا: من القرآن:
1 -
قال تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50].
• وجه الدلالة: الآية نص على انعقاد النكاح بعبارة المرأة، فكانت حجة على المخالف (5).
2 -
قال تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230].
• وجه الدلالة: أنه أضاف النكاح إلى المرأة، فيقتضي تصوره منها (6).
3 -
قال تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة: 230].
• وجه الدلالة: أضاف اللَّه سبحانه وتعالى النكاح إلى المرأة من غير ذكر الولي (7).
4 -
قال تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232].
• وجه الدلالة: يستدل بهذه الآية من وجهين (8):
أحدهما: أنه أضاف النكاح إلى النساء، فيدل على جواز النكاح بعبارتهن، من غير شرط الولي.
الثاني: أنه نهى الأولياء عن منعهن نكاح أنفسهن أزواجهن، إذا تراضى الزوجان، والنهي يقتضي تصور المنهي عنه.
(1)"سنن الترمذي"(2/ 351).
(2)
"مختصر الطحاوي"(ص 171 - 172)، و"بدائع الصنائع"(3/ 372).
(3)
"الإنصاف"(8/ 66)، و"المحرر"(36).
(4)
"الإشراف"(1/ 23).
(5)
"بدائع الصنائع"(3/ 372).
(6)
"بدائع الصنائع"(3/ 373)، و"البحر الرائق"(3/ 117).
(7)
"بدائع الصنائع"(3/ 373).
(8)
"بدائع الصنائع"(3/ 373).
• ثانيًا: من السنة:
1 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ليس للولي مع الثيب أمر"(1).
2 -
وعنه رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "الأيم أحق بنفسها من وليها"(2).
• وجه الاستدلال من الحديثين: الأيم هنا هي المرأة التي لا زوج لها، وقد قطع النبي صلى الله عليه وسلم ولاية الولي عنها. وفي هذين الحديثين أيضًا إثبات حق الولي في مباشرته عقد النكاح برضاها، وقد جعلها أحق منه؛ ولن تكون أحق منه إلا إذا زوجت نفسها بغير رضاه (3).
3 -
ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها زوجت بنت أخيها عبد الرحمن، المنذرَ بن الزبير (4).
• ثالثًا: من المعقول:
1 -
أن المرأة لما بلغت عن عقل وحرية، فقد صارت ولية نفسها في النكاح، فلا يبقى أحد مولّيًا عليها، كالصبي إذا بلغ، والجامع بينهما: أن ولاية النكاح على الصبي تثبت للأب بطريق النيابة حتى يبلغ، فإذا بلغ زالت الولاية، فكذا هي (5).
2 -
أن الحرية منافية لولاية الحُر على الحر؛ وثبوت الشيء مع المنافي لا يكون إلا بطريق الضرورة؛ ولهذا المعنى زالت ولاية النكاح عن الصغير العاقل إذا بلغ، وتثبت
(1) أخرجه أبو داود (2100)(2/ 233)، والنسائي (3263)(6/ 63).
قال ابن حجر: ورواته ثقات. انظر: "التلخيص الحبير"(3/ 161).
(2)
أخرجه مسلم (1421)"شرح النووي"(9/ 172).
(3)
"بدائع الصنائع"(3/ 373)، و"البحر الرائق"(3/ 117).
(4)
أخرجه مالك في "الموطأ"(ص 436).
قال مالك: عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه؛ أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زوجت حفصة بنت عبد الرحمن، المنذر بن الزبير، وعبد الرحمن غائب بالشام، فلما قدم عبد الرحمن قال: ومثلي يصنع هذا به؟ ومثلي يفتات عليه؟ فكلمت عائشة المنذر بن الزبير، فقال المنذر: فإن ذلك بيد عبد الرحمن، فقال عبد الرحمن: ما كنت لأرد أمرًا قضيتيه. فقرت حفصة عند المنذر، ولم يكن ذلك طلاقًا.
وأخرجه البيهقي في "الكبرى"(7/ 112). وقال: أُريد به أنها مهدت تزويجها، ثم تولى عقد النكاح غيرها، فأُضيف التزويج إليها؛ لإذنها في ذلك، وتمهيدها أسبابه.
(5)
"بدائع الصنائع"(3/ 373).
الولاية له، فكذا هي (1).
3 -
أنه ببلوغها تزول ولاية الأب على مالها، وتثبت الولاية لها، فكذا هنا، لأن الأصل أن كل من يجوز تصرفه في ماله بولاية نفسه يجوز نكاحه على نفسه، ومن لا يجوز تصرفه في ماله بولاية نفسه لا يجوز نكاحه على نفسه (2).
4 -
وعلى هذا إذا صارت ولية نفسها في النكاح لم يبق لأحدٍ ولاية عليها بالضرورة، لما فيه من الاستحالة (3).
ثانيًا: ذهب أبو يوسف (4)، ومحمد بن الحسن (5) من الحنفية (6)، إلى أن المرأة إن تولت عقدت نكاحها، فإن ذلك يتوقف على إجازة وليها، أو السلطان.
وهو قول علي رضي الله عنه، والقاسم بن محمد (7)، وابن سيرين، والحسن بن صالح بن حي (8)، وإسحاق (9).
(1)"بدائع الصنائع"(3/ 373).
(2)
"بدائع الصنائع"(3/ 373)، و"البحر الرائق"(3/ 117).
(3)
"بدائع الصنائع"(3/ 374).
(4)
هو أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري، صاحب أبي حنيفة، له كتاب "الخراج"، وروى مسندًا عن أبي حنيفة، صارت إليه إمامة المذهب بعد أبي حنيفة، ولي القضاء في عهد الهادي، والمهدي، والرشيد، وكانت إليه تولية القضاء في بغداد، توفي سنة (181)، وقيل:(182 هـ). انظر ترجمته في: "الجواهر المضية"(3/ 613)، و"وفيات الأعيان"(6/ 378).
(5)
هو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، صحب أبا حنيفة وأخذ عنه الفقه، ثم عن أبي يوسف، روى عن مالك، والثوري، وعمرو بن دينار، وآخرين، نشر علم أبي حنيفة فيمن نشره، وله مؤلفات عدة، توفي بالري سنة (189 هـ). انظر ترجمته في:"الجواهر المضية"(3/ 122)، و"تاج التراجم"(ص 187).
(6)
"مختصر الطحاوي"(ص 171 - 172).
(7)
هو أبو محمد القاسم بن محمد بن أبي بكر أحد الفقهاء السبعة، نشأ في حجر عمته عائشة، فأكثر عنها، قال يحيى بن سعيد: ما أدركنا أحدًا بالمدينة نفضله على القاسم، وقال أبو الزناد: ما رأيت فقيهًا أعلم منه، توفي سنة (101)، وقيل:(102)، وقيل:(107 هـ). انظر ترجمته في: "طبقات الفقهاء"(ص 41)، و"شذرات الذهب"(1/ 135).
(8)
هو الحسن بن صالح بن حي الهمْداني فقيه الكوفة، وعابدها، وقال أبو حاتم: ثقة، حافظ، متقن، كان هو وأخوه علي وأمهما قد جزؤوا الليل ثلاثة أجزاء، فماتت الأم، فقسما الليل سهمين، فمات علي، فقام الحسن الليل كله، توفي سنة (167 هـ). انظر ترجمته في:"تهذيب الكمال"(6/ 177)، و"تهذيب التهذيب"(2/ 248).
(9)
"الإشراف"(1/ 22).