الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-وصوّبه المرداوي (1) - وابن حزم (2) إلى أن اللبن إذا انقطع ثم عاد، يصبح للثاني دون الأول.
• دليل هذا القول: الظاهر أن اللبن المنقطع هو لبن الأول، فلما عاد دل على أنه من الثاني فيلحق به؛ لانفراده به (3).
النتيجة:
أولًا: تحقق الإجماع على أن المرأة إذا تزوجت، وهي ذات لبن، ثم ولدت من زوجها الثاني أن اللبن يصبح له، والولد ولده.
ثانيًا: عدم تحقق الإجماع على أن المرأة إذا حملت عند زوجها الثاني، وكانت ذات لبن فأرضعت طفلًا أن اللبن يلحق بالأول؛ وذلك لوجود خلاف في المسألة.
[15 - 435] التحريم بلبن الفحل:
إذا أرضعت المرأة طفلًا، أصبحت أمًّا له، وأبناؤها إخوة له، وزوجها أبًا له، وأبناء زوجها إخوة له، وسائر قراباته قرابة له كما هو الحال من النسب (4)، ونُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع:
1 -
الشافعي (204 هـ) حيث قال: "وفي نفس السنة أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة، وأن لبن الفحل يحرِّم كما تحرِّم ولادة الأب، يحرم لبن الأب لا اختلاف في ذلك"(5).
2 -
ابن العربي (546 هـ) حيث قال: "استقر الأمر على التحريم بلبن الفحل في الأخبار والأمصار، فليس أحد يقضي بغيره، وانعقد الإجماع على التحريم به، وهو الحق الذي لا إشكال فيه"(6).
3 -
ابن هبيرة (560 هـ) حيث قال: "واتفقوا على أن لبن الفحل يحرِّم، وهو أن ترضع المرأة صبية؛ فتحرم هذه الصبية على زوج المرضعة وآبائه وأبنائه، ويصير الزوج الذي درَّ اللبن عن إعلاقه أبًا للمرضَعة"(7). ونقله عنه ابن قاسم (8).
(1)"المحرر"(2/ 226)، "الإنصاف"(9/ 350).
(2)
"المحلى"(10/ 212).
(3)
"المعونة"(2/ 692)، "البيان"(11/ 158).
(4)
سيأتي في ثنايا أقوال العلماء الذين نقلوا الإجماع تفسير المراد بلبن الفحل.
(5)
"الأم"(5/ 38).
(6)
"عارضة الأحوذي"(5/ 72).
(7)
"الإفصاح"(2/ 149).
(8)
"حاشية الروض المربع"(7/ 100).
4 -
النووي (676 هـ) حيث قال: "مذهبنا ومذهب العلماء كافة ثبوت حرمة الرضاع بينه وبين الرضيع، ويصير ولدًا له، وأولاد الرجل إخوة الرضيع وأخواته، وإخوة الرجل أعمام الرضيع. . . ولم يخالف في هذا إلا أهل الظاهر وابن علية"(1).
5 -
العيني (855 هـ) حيث قال: "قوله: "الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة" وهذا إجماع لا خلاف فيه بين الأئمة؛ فإذا حرمت الأم، فكذا زوجها؛ لأنه والده؛ لأن اللبن منهما جميعًا، وانتشرت الحرمة إلى أولاده، فأخو صاحب اللبن عم، وأخوها خاله من الرضاع، فيحرم من الرضاع العمات والخالات والأعمام والأخوات وبناتهن كالنسب"(2).
• الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على التحريم بلبن الفحل وافق عليه ابن حزم (3). وهو قول علي، وابن عباس رضي الله عنهما، والحسن، والشعبي، وطاوس، ومجاهد، والقاسم بن محمد، وعروة، والثوري، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور، وابن المنذر (4)، والليث بن سعد، والأوزاعي (5).
• مستند الإجماع:
1 -
عن عروة أن عائشة أخبرته أنه جاء أفلح أخو أبي القعيس (6) يستأذن عليها بعد ما نزل الحجاب، وكان أبو القعيس أبا عائشة من الرضاعة، قالت عائشة: فقلت: واللَّه لا آذن لأفلح حتى أستأذن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فإن أبا القعيس ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأته قالت عائشة: فلما دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول اللَّه، إن أفلح أخا أبي القعيس جاءني يستأذن عليّ، فكرهتُ أن آذن له حتى أستأذنك، قالت: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ائذني له"(7). قال عروة: فبذلك كانت عائشة تقول: حرِّمُوا من الرضاعة ما تحرمون من النسب (8).
(1)"شرح مسلم"(10/ 18).
(2)
"عمدة القاري"(20/ 92).
(3)
"المحلى"(10/ 178).
(4)
"الإشراف"(1/ 95)، "المغني"(9/ 521).
(5)
"الاستذكار"(6/ 244).
(6)
هو أفلح أخو أبي القعيس، وقيل: أفلح بن أبي القعيس، وقيل: أفلح أبو القعيس، والصحيح الأول. من بني مخزوم، وقيل: من بني سُليم، وقيل: من الأشعريين، كنيته أبو الجعد. انظر ترجمته في:"الإصابة"(1/ 250)، "أسد الغابة"(1/ 262).
(7)
أخرجه البخاري (5103)(6/ 153)، ومسلم (1445)"شرح النووي"(10/ 19).
(8)
هذه الزيادة أخرجها مسلم؛ انظر التخريج السابق.
2 -
عن عمرة (1) أن عائشة أخبرتها أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان عندها، وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة. قالت عائشة: فقلت: يا رسول اللَّه، هذا رجل يستأذن في بيتك. فقال:"أراه فلانًا" لِعَمِّ حفصة من الرضاعة، فقالت عائشة: يا رسول اللَّه، لو كان فلان حيًّا -لعمها من الرضاعة- دخل عليَّ؟ قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"نعم، إن الرضاعة تُحَرِّمُ ما تُحَرِّم الولادة"(2).
• الخلاف في المسألة: ذهب عبد اللَّه بن عمر، وجابر (3)، وعبد اللَّه بن الزبير، ورافع بن خديج، وزينب بنت أبي سلمة رضي الله عنهم (4) إلى أنه لا يقع التحريم بلبن الفحل (5). وهو قول سعيد بن المسيب، وسالم بن عبد اللَّه، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وعطاء بن يسار (6)، وأخيه سليمان بن يسار، والنخعي، وأبي قلابة (7)، وداود، وإياس بن معاوية (8)، وربيعة الرأي، وإسماعيل ابن عُلَيَّة، وكان عبد الملك بن مروان يقضي بذلك (9).
• أدلة هذا القول:
1 -
قال تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23].
• وجه الدلالة: ذكر اللَّه سبحانه وتعالى التحريم بالرضاعة ما كان من
(1) هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية، نشأت في حجر عائشة، وأكثرت الرواية عنها. قال ابن معين: ثقة حجة، وذُكرت عنده ففخم أهرها، وقال: عمرة أحد الثقات العلماء بعائشة الإثبات فيها. وقال العجلي: مدنية تابعية ثقة. توفيت سنة (98 هـ). انظر ترجمتها في: "تهذيب التهذيب"(12/ 466)، "شذرات الذهب"(1/ 114).
(2)
أخرجه البخاري (5099)(6/ 152)، ومسلم (1444)"شرح النووي"(10/ 17).
(3)
"المحلى"(10/ 179)، "الاستذكار"(6/ 245).
(4)
"فتح الباري"(9/ 183).
(5)
"المغني"(9/ 521)، "زاد المعاد"(5/ 561).
(6)
هو أبو محمد عطاء بن يسار الهلالي المدني الفقيه، مولى ميمونة أم المؤمنين، روى عن كبار الصحابة، ثقة فاضل صاحب مواعظ وعبادة، وكان قاضيًا بالمدينة، توفي سنة (103 هـ). انظر ترجمته في:"تقريب التهذيب"(1/ 392)، "شذرات الذهب"(1/ 125).
(7)
"الإشراف"(1/ 95)، "المغني"(9/ 521)، "زاد المعاد"(5/ 561).
(8)
هو أبو واثلة إياس بن معاوية بن قرة المزني البصري، قاضي البصرة، ولجده صحبة، قال ابن معين والنسائي: ثقة. وكان فقيهًا عفيفًا، مات سنة (122 هـ). انظر ترجمته في:"تهذيب التهذيب" 1/ 341)، "شذرات الذهب"(1/ 160).
(9)
"الاستذكار"(6/ 245)، "فتح الباري"(9/ 183).