الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: مسائل الإجماع في الحدود
[1 - 403] وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها:
إذا توفي الزوج لزم امرأته أن تعتد للوفاة، ويلزمها أيضًا الإحداد (1) عليه، ونُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع:
1 -
ابن المنذر (318 هـ) حيث قال: "ثبت أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا" (2)، وأجمعوا على ذلك"(3).
2 -
الماوردي (450 هـ) حيث قال: "فالمتوفى عنها زوجها، يجب الإحداد عليها، قاله جميع الفقهاء"(4).
3 -
ابن عبد البر (463 هـ) حيث قال: "وأجمعوا أن الإحداد واجب"(5). وقال أيضًا: ". . . العدة واجبة في القرآن، والإحداد واجب بالسنة المجتمع عليها"(6).
4 -
علاء الدين السمرقندي (540 هـ) حيث قال: "فإن كانت معتدة عن وفاة زوجها؛ يجب الإحداد بالإجماع"(7).
5 -
ابن العربي (546 هـ) حيث قال: "الإحداد فرض على المتوفى، بإجماع من
(1) الإحداد في اللغة:
يقال: إحداد، وحداد، لغتان. والحد: المنع، وكل من منعته عن شيء فقد حددته، ومنه قيل للبواب: حداد؛ لمنعه الناس من الدخول. والحادُّ والمُحِدَّ من النساء: التي تترك الزينة والطيب بعد زوجها للعدة. انظر: "لسان العرب"(3/ 143)، "الصحاح"(2/ 40)، "القاموس المحيط" ص 352).
الإحداد في الاصطلاح:
لا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي في تعريف الإحداد عند الفقهاء؛ فقالوا: الإحداد: امتناع المرأة عن الزينة من لباس وغيره.
انظر: "البناية شرح الهداية"(5/ 617)، "العناية على الهداية"(4/ 336)، "المعونة"(2/ 675)، "الاستذكار"(6/ 230، "الحاوي" (14/ 315)، "البيان"(11/ 76)، "شرح الزركشي على الخرقي"(3/ 486)، "كشاف القناع"(5/ 428).
(2)
سبق تخريجه.
(3)
"الإجماع"(ص 73).
(4)
"الحاوي"(14/ 315).
(5)
"التمهيد"(17/ 321).
(6)
"الاستذكار"(6/ 231).
(7)
"تحفة الفقهاء"(2/ 251).
الأمة" (1).
6 -
الكاساني (587 هـ) حيث قال: "لا خلاف بين الفقهاء أن المتوفى عنها زوجها يلزمها الإحداد"(2).
7 -
ابن رشد (595 هـ) حيث قال: "أجمع المسلمون على أن الإحداد واجب على النساء الحرائر المسلمات في عدة الوفاة"(3).
8 -
ابن قدامة (620 هـ) حيث قال: "هذا يسمى الإحداد، ولا نعلم بين أهل العلم خلافًا في وجوبه على المتوفى عنها زوجها"(4).
9 -
الرافعي (623 هـ) حيث قال: "قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة أن تحد على ميت فوق ثلاث؛ إلا على زوج"، أجمعوا على أنه أراد الوجوب"(5).
10 -
القرطبي (671 هـ) حيث قال: "وأجمع الناس على وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها"(6).
11 -
النووي (676 هـ) حيث قال: "وجوب الإحداد على المعتدة من وفاة زوجها، وهو مجمع عليه في الجملة"(7).
12 -
ابن جزي (741 هـ) حيث قال: "الإحداد: وهو في عدة الوفاة اتفاقًا"(8).
13 -
ابن القيم (751 هـ) حيث قال: "فالإحداد على الزوج عزيمة، وعلى غيره رخصة، وأجمعت الأمة على وجوبه على المتوفى عنها زوجها"(9).
14 -
البابرتي (786 هـ) حيث قال: "وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها بلا خلاف"(10).
15 -
الشعراني (973 هـ) حيث قال: "اتفق الأئمة على أن عدة الحامل مطلقًا بالوضع، . . . وعلى أن الإحداد واجب في عدة الوفاة"(11).
(1)"عارضة الأحوذي"(5/ 138).
(2)
"بدائع الصنائع"(4/ 416).
(3)
"بداية المجتهد"(2/ 213).
(4)
"المغني"(11/ 284).
(5)
"العزيز شرح الوجيز"(9/ 492).
(6)
"الجامع لأحكام القرآن"(3/ 166).
(7)
"شرح مسلم"(10/ 91).
(8)
"القوانين الفقهية"(ص 240).
(9)
"زاد المعاد"(5/ 696).
(10)
"العناية على الهداية"(4/ 338).
(11)
"الميزان"(3/ 260).
16 -
الشربيني (977 هـ) حيث قال: "قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة أن تحد على ميت فوق ثلاث؛ إلا على زوج"، أجمعوا على أنه أراد الوجوب"(1).
17 -
ابن قاسم (1392 هـ) حيث قال: "ويلزم الإحداد مدة العدة كل امرأة متوفى عنها زوجها، في نكاح صحيح، بلا نزاع بين أهل العلم"(2).
• الموافقون على الإجماع: ما ذكره الجمهور من الإجماع على وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها، وافق عليه ابن حزم (3). وهو قول ابن عمر، وابن عباس، وعائشة، وأم سلمة رضي الله عنهم، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وعروة بن الزبير، ويحيى الأنصاري، وربيعة، والزهري، والنخعي، وسفيان الثوري، وإسحاق (4).
• مستند الإجماع:
1 -
عن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا"(5).
2 -
عن زينب بنت أبي سلمة أنها سمعت أم سلمة تقول: جاءت امرأة إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه، إن ابنتي توفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها؛ أفنكحلها؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"لا، مرتين أو ثلاثًا"، كل ذلك يقول: لا، ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول"(6).
• وجه الدلالة: نفى النبي صلى الله عليه وسلم الحِل عن الإحداد فوق ثلاث على ميت غير الزوج، وبين أن الإحداد على الزوج أربعة أشهر وعشر، فلما نفى الحل عن غير الزوج، دل على وجوبه على الزوج.
• الخلاف في المسألة: ذهب الحسن البصري، والشعبي، والحكم بن عتيبة (7)، إلى القول بعدم وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها، فلها أن تتزين، وتمتشط، وتكتحل، ونحو ذلك.
(1)"مغني المحتاج"(5/ 99).
(2)
"حاشية الروض المربع"(7/ 79).
(3)
"المحلى"(10/ 62).
(4)
"المحلى"(10/ 66 - 68)، "البناية شرح الهداية"(5/ 618).
(5)
سبق تخريجه.
(6)
سبق تخريجه.
(7)
"الحاوي"(14/ 315)، "المحلى"(10/ 69)، "زاد المعاد"(5/ 696)، "فتح الباري"(9/ 584).
• دليل هذا القول:
1 -
عن عبد اللَّه بن شداد بن الهاد (1) عن أسماء بنت عميس (2) رضي الله عنه قالت: دخل عليَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في اليوم الثالث من قتل جعفر بن أبي طالب فقال: "لا تحدي بعد يومك هذا"(3).
2 -
عن عبد اللَّه بن شداد بن الهاد عن أسماء بنت عميس قالت: لما أصيب جعفر رضي الله عنه أمرني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: "تسلبي (4) ثلاثًا، ثم اصنعي ما شئت"(5).
• وجه الدلالة: قال أصحاب هذا القول: حديث عبد اللَّه بن شداد بن الهاد عن
(1) هو عبد اللَّه بن شداد بن أسامة الليثي، وُلِدَ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأمه سلمى بنت عميس، وروي عن عمر، وعلي، وخالاته: أسماء، وميمونة أم المؤمنين، وأم الفضل امرأة العباس، فقد في وقعة دير الجماجم؛ اقتحم به فرسه نهر دجله فغرق، وذلك سنة (81 هـ). انظر ترجمته في:"أسد الغابة"(2/ 276)، "الإصابة"(5/ 11).
(2)
هي أسماء بنت عميس بن معد بن شهران بن عفرس بن خثعم، وهي أخت ميمونة أم المؤمنين، وأم الفضل امرأة العباس لأمهما، أسلمت قديمًا، ثم هاجرت إلى الحبشة مع زوجها جعفر، تزوجها أبو بكر بعد جعفر؛ فولدت له محمدًا، وتزوجها عليّ بعد أبي بكر. انظر ترجمتها في:"أسد الغابة"(7/ 12)، "الإصابة"(8/ 14).
(3)
أخرجه أحمد في "المسند"(27083)(45/ 20). قال ابن حجر: ورد في حديث قوي الإسناد، وأخرجه أحمد، وصححه ابن حبان. انظر:"فتح الباري"(9/ 586).
(4)
أي: البسي ثوب الحداد، وهو: السِّلاب، والجمع سُلُب، وتسلَّبت المرأة إذا لبسته. وقيل: هو ثوب أسود تغطي به المرأة المُحِدُّ رأسها. انظر: "النهاية في غريب الحديث"(2/ 349).
(5)
أخرجه البيهقي في "الكبرى"(7/ 438).
قال الإمام أحمد: ما كان بالعراق أشد تبحرًا من هذين -يعني الحسن، والشعبي- وخفي عليهما ذلك: أي وجوب الإحداد. انظر: "فتح الباري"(9/ 584). وقال البيهقي: لم يثبت سماع عبد اللَّه من أسماء، وقد قيل فيه: عن أسماء؛ فهو مرسل، ومحمد بن طلحة ليس بالقوي، والأحاديث قبله أثبت، فالمصير إليها.
قال ابن حجر: هذه أحاديث شاذة مخالفة للأحاديث الصحيحة، وقد أجمعوا على خلافه.
وادعى الطحاوي أن هذه أحاديث منسوخة، وتعقبه ابن حجر فقال: ليس في أحاديث الباب ما يدل على ما ادعاه من النسخ، لكنه يُكثر من ادعاء النسخ بالاحتمال، فجرى على عادته. وقال أيضًا: ما ذكره البيهقي بأن الحديث مرسل، وقال: منقطع، بأن عبد اللَّه ابن شداد لم يسمع من أسماء؛ تعليل مدفوع، فقد صححه أحمد، لكنه قال: إنه مخالف للأحاديث الصحيحة في الإحداد، قال ابن حجر: وهو مصير منه إلى أنه يعله بالشذوذ. انظر: "فتح الباري"(9/ 586).
أسماء ناسخ لأحاديث الإحداد؛ لأنه بعدها، فإن أم سلمة روت حديث الإحداد، وإنه صلى الله عليه وسلم أمرها به بعد موت أبي سلمة، ولا خلاف أن موت أبي سلمة كان قبل موت جعفر (1).
النتيجة:
عدم تحقق الإجماع على وجوب الإحداد على المتوفى عنها زوجها، لما يأتي:
1 -
أن كثيرًا من العلماء الذين نقلوا الإجماع على وجوب الإحداد لم يحكوا الخلاف إلا عن الحسن البصري فقط، ثم وصفوا هذا القول بالشذوذ.
2 -
تبين بعد النظر في كتب الفقهاء والمحدثين أن الخلاف ثبت عن ثلاثة هم: الحسن البصري، والشعبي، والحكم بن عتيبة (2).
3 -
أن هناك من العلماء من نفى تحقق الإجماع بسبب هذا الخلاف؛ قال ابن حجر: "ومخالفتهما -أي الحسن، والشعبي- لا تقدح في الاحتجاج، وإن كان فيها رد على من ادعى الإجماع"(3).
وقال ابن حزم: "ولم يتفقوا في وجوب الإحداد على شيء يمكن ضمه؛ لأن الحسن لا يرى الإحداد أصلًا"(4).
4 -
أن قول المخالفين بأن أحاديثهم نسخت الأحاديث الدالة على الوجوب؛ دليل على أنهم علموا بتلك الأحاديث الدالة على الوجوب.
5 -
أن ما قيل من ضعف أحاديث المخالف، ووصفها بالانقطاع والإرسال، غير صحيح، فقد ذكر ابن حجر أنها ثبتت بسند قوي، فلا يقدح فيها ما وصفت به من الشذوذ ومخالفتها للسنة (5)، لكونها ثبتت بسند قوي.
6 -
كل ما يقال في المسألة: إن رأي الجمهور هو الراجح.
(1)"المحلى"(10/ 69)، "زاد المعاد"(5/ 697)، "فتح الباري"(9/ 586).
(2)
"الحاوي"(14/ 315)، "المحلى"(10/ 69)، "زاد المعاد"(5/ 696)، "البناية شرح الهداية"(5/ 618)، "فتح الباري"(9/ 584).
(3)
"فتح الباري"(9/ 584).
(4)
"مراتب الإجماع"(ص 136).
(5)
وصف قول المخالف بالشذوذ، وقد وصفه بذلك: ابن المنذر في "الإشراف"(1/ 269)، وابن عبد البر في "الاستذكار"(6/ 231)، وابن العربي في "عارضة الأحوذي"(5/ 138)، وابن قدامة في "المغني"(11/ 284).