الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: حقيقة النكاح
المطلب الأول: حقيقة النكاح في اللغة:
• اختلف أهل اللغة في لفظ النكاح بين الحقيقة والمجاز، ويمكن حصر خلافهم في الأقوال التالية:
القول الأول: إنه حقيقة في العقد، مجاز في الوطء.
ويدل عليه ما ذكره ابن فارس؛ حيث قال: "والنكاح يكون العقد دون الوطء"(1).
القول الثاني: إنه حقيقة في الوطء، مجاز في العقد.
ويدل عليه ما ذكره الأزهري (2)؛ حيث قال: "أصل النكاح في كلام العرب الوطء، وقيل للتزويج: نكاح؛ لأنه سبب الوطء المباح"(3).
وعليه تدل عبارة الجوهري (4)؛ حيث قال: "النَّكاح: الوطء، وقد يكون العقد"(5).
وكأنه بهذا يشير إلى قلة استعماله في العقد.
قال الزبيدي: "ظاهر كلام الصحاح أن استعماله في العقد قليل أو مجاز"(6).
• ويدل على كونه حقيقة في الوطء قول الشاعر (7):
(1)"معجم مقاييس اللغة"(5/ 475).
(2)
هو أبو منصور محمد بن محمد الأزهري، اللغوي المشهور، كان فقيهًا شافعي المذهب، غلبت عليه اللغة فاشتهر بها، وكان متفقًا على فضله وثقته، رحل وطاف بلاد العرب في طلب اللغة، صنف التصانيف العديدة؛ منها: كتاب "تهذيب اللغة"، وكتاب "الزاهر"، توفي سنة (370 هـ). انظر في ترجمته:"وفيات الأعيان"(4/ 334)، و"معجم الأدباء"(5/ 112).
(3)
"تهذيب اللغة"(4/ 103).
(4)
هو أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري، صاحب كتاب "الصحاح"، قيل عنه أنه قال: أيها الناس اخترعت لكم علمًا لم أُسبق إليه، وأنا اخترع لكم اليوم عملًا لم أُسبق إليه. فصعد منارة الجامع وربط إلى يديه مصراعي باب، يريد الطيران، فوقع على رأسه فمات، وذلك سنة (386 هـ). انظر في ترجمته:"معجم الأدباء"(2/ 205)، و"نزهة الألباء"(ص 298).
(5)
"الصحاح"(1/ 608).
(6)
"تاج العروس"(7/ 196).
(7)
كل من استشهد بهذين البيتين نسبهما إلى الفرزدق، ولم أجد هذين البيتين في ديوانه، انظر =
إذا سقى اللَّه صوب غادية
…
فلا سقى أرض الكوفة المطرا
التاركين على طهر نساءهمو
…
والناكحين بشطي دجلة البقرا
القول الثالث: إنه لفظ مشترك يأتي بمعنى العقد، ويأتي بمعنى الوطء، ولا يفهم المراد منه إلا بقرينة؛ فإذا قالوا: نكح فلان بنت فلان: أي عقد عليها، وإذا قالوا: نكح زوجته: لم يريدوا إلا الوطء (1). ومن هنا جاء في عبارات الفقهاء: وليس للمحرم نكاح زوجته، أي: وطئها.
• ويدل على هذا القول ما ذكره الفيروز أبادي (2)؛ حيث قال: "النكاح: الوطء، والعقد له"(3). وقال الزبيدي: "وكلام المصنَّف يدل على تساويهما"(4).
• وقال الفيومي (5): "وعلى هذا فيكون النَّكاح مجازًا في الوطء والعقد جميعًا؛ لأنه مأخوذ من غيره، فلا يستقيم القول بأنه حقيقة لا فيهما ولا في أحدهما، ويؤيده أنه لا يفهم العقد إلا بقرينة نحو: نكح في بني فلان، ولا يفهم الوطء إلا بقرينة نحو: نكح زوجته، وذلك من علامات المجاز؛ لأنه لا يفهم واحد من قسميه إلا بقرينة"(6).
• واستدل بعض الفقهاء (7) لهذا القول -كما سيأتي- بما نقل عن أبي القاسم
= المصادر السابقة، وانظر:"طلبة الطلبة"(ص 124)، و"شرح الزرقاني على الموطأ"(3/ 124).
والصحيح أنهما لقيس بن عمرو المعروف بالنجاشي الحارثي. وقد نسبهما إليه كل من: المطرزي في "المغرب"(ص 466)، و"ابن قتيبة في الشعر والشعراء"(ص 209).
(1)
"القاموس المحيط"(ص 314)، و"تاج العروس"(7/ 196)، و"المصباح المنير"(2/ 296).
(2)
هو مجد الدين أبو الطاهر محمد بن يعقوب الفيروز أبادي اللغوي المشهور، شافعي المذهب، دخل شيراز والعراق والشام ومصر فأخذ عن علماء كل بلد، وظهرت فضائله، روى الكتب الستة، و"مسند أحمد"، وغيرها، من أشهر مصنفاته:"القاموس المحيط"، توفي في زبيد سنة (817 هـ) انظر في ترجمته:"شذرات الذهب"(7/ 126)، "البدر الطالع"(2/ 149).
(3)
"القاموس المحيط"(ص 314).
(4)
"تاج العروس شرح القاموس"(7/ 196).
(5)
هو أبو العباس أحمد بن محمد بن علي الفيومي، ولد ونشأ بالفيوم في مصر، ورحل إلى حماة في سوريا، وكان خطيبًا في جامع الدهشة الذي بناه الملك المؤيد إسماعيل، اشتهر بكتابه "المصباح المنير في غريب الشرح الكبير" للرافعي، توفي سنة (707 هـ). انظر في ترجمته:"الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة"(1/ 314).
(6)
"المصباح المنير"(2/ 296)، وانظر:"تاج العروس"(7/ 196).
(7)
ما ذكر عن أهل اللغة في القول الثالث والقول الرابع، لم أجده في كتب اللغة المعتبرة، مثل =
الزجاجي (1)، حيث قال:"النكاح في كلام العرب بمعنى الوطء والعقد جميعًا، وموضع "نكح" على هذا الترتيب في كلام العرب للزوم الشيء راكبًا عليه، هذا كلام العرب الصحيح".
• وبما نقل أيضًا عن أبي علي الفارسي (2) حيث قال: "فرقت العرب بينهما فرقًا لطيفًا؛ فإذا قالوا: نكح فلان فلانة، أرادوا تزوجها، وإذا قالوا: نكح امرأته أو زوجته لم يريدوا إلا الوطء؛ لأنه بذكر امرأته وزوجته يستغنى عن ذكر العقد"(3).
القول الرابع: إنه حقيقة في الجمع والضم والتداخل.
قال أبو عمر (4) غلام ثعلب: الذي حصّلناه عن ثعلب (5) عن الكوفيين، وعن المبرد (6) عن البصريين أنه الجمع. قال الشاعر:
= "الصحاح" للجوهري، أو "القاموس المحيط"، أو "لسان العرب"، أو"تاج العروس"، أو غيرها من كتب اللغة، بل ذكر ذلك الفقهاء، فلا يكاد يخلو كتاب من كتب الفقه من ذكر كلام أهل اللغة في ذلك.
(1)
هو أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي، كان من أفاضل أهل النحو، صنف التصانيف النافعة؛ منها: كتاب "الجمل"، و"الإيضاح"، وكتاب "شرح خطبة أدب الكتاب" لابن قتيبة، وغير ذلك، توفي سنة (340 هـ). انظر في ترجمته:"نزهة الألباء في طبقات الأدباء"(ص 265)، و"شذرات الذهب"(2/ 357).
(2)
هو أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي، يعد من أكابر أئمة النحو، قالوا عنه: واحد زمانه في علم العربية. صنّف كتبًا كثيرة لم يسبق إلى مثلها؛ منها: كتاب "الإيضاح في النحو"، وكتاب "الحجة في علل القرآن"، وكتاب "المقصور والممدود"، وغير ذلك، توفي سنة (377 هـ).
انظر في ترجمته: "معجم الأدباء"(2/ 413)، "نزهة الألباء"(ص 274).
(3)
"شرح النووي على مسلم"(9/ 145)، "تحرير ألفاظ التنبيه" للنووي (ص 249)، و"الإنصاف" للمرداوي (8/ 3)، و"المبدع"(6/ 81)، و"فتح الباري"(9/ 103)، و"نيل الأوطار"(6/ 211).
(4)
هو أبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد، من أكابر أهل اللغة وأحفظهم لها، أخذ عن ثعلب، وكان يعرف بغلام ثعلب. كان ثقة صدوقًا عند أهل الحديث، من مصنفاته:"الياقوتة في اللغة"، و"رسالة في غريب القرآن"، و"غريب الحديث"؛ صنفه على "مسند أحمد"، توفي سنة (345 هـ) في بغداد. انظر في ترجمته:"نزهة الألباء"(ص 242)، و"معجم الأدباء"(5/ 369).
(5)
هو أبو العباس ثعلب أحمد بن يحيى الشيباني، كان إمام الكوفيين في زمانه في النحو واللغة، ثقة دينًا مشهورًا بصدق اللهجة والمعرفة بالغريب، ورواية الشعر القديم، له "أمال" أملاها على أصحابه منها: في النحو، واللغة، والأدب، والأخبار، توفي سنة (291 هـ) في بغداد. انظر في ترجمته:"نزهة الألباء"(ص 202)، و"معجم الأدباء"(2/ 55).
(6)
هو أبو العباس محمد بن يزيد الثمالي، المعروف بالمبرد، شيخ أهل النحو والعربية، وإليه انتهى علمها، =
أيها المنكح الثريا سهيلًا
…
عمرك اللَّه كيف يجتمعان (1).
ومن وروده في الضم قولهم: تناكحت الأشجار؛ إذا انضم بعضها إلى بعض (2).
• قال الشاعر:
ضممت إلى صدري معطر صدرها
…
كما نكحت أم الغلام حبيبها (3).
أي: كما ضمته.
• ومن وروده في الدخول قولهم: نكح النوم عينه، إذا غلبه، ونكحت الحصى أخفاف الإبل: إذا دخلت فيها (4). قال الشاعر:
أنكحت صمّ حصاها خف يعملة (5)
…
تغشمرت (6) بي إليك السهل والجبلا (7)
• وقد أطنب الفقهاء في تناول معنى النكاح في اللغة، فلا يكاد يخلو كتاب من كتبهم من ذكر هذه الأقوال (8).
• ونقل المرداوي عن الشيخ تقي الدين ابن تيمية قوله: "معناه في اللغة الجمع والضم على أتم الوجوه، فإن كان اجتماعًا بالأبدان فهو الإيلاج الذي ليس بعده غاية
= كان حسن المحاضرة، مليح الأخبار، من مصنفاته:"المقتضَب"، و"الكامل" في اللغة، توفي سنة (285 هـ). انظر في ترجمته:"نزهة الألباء"(ص 193)، و"معجم الأدباء"(5/ 479).
(1)
البيت لعمر بن أبي ربيعة. انظر "ديوانه"(ص 438). وفيه: (يلتقيان) بدلًا من (يجتمعان).
(2)
"المصباح المنير"(2/ 296)، و"تاج العروس"(7/ 196).
(3)
لم أجد من نسب هذا البيت إلى قائله.
(4)
"لسان العرب"(2/ 625)، (626)، و"تهذيب اللغة"(4/ 102)، و"القاموس المحيط"(ص 314).
(5)
اليعملة: بفتح الياء، هي الناقة المطبوعة على العمل. انظر:"شرح الزرقاني على الموطأ"(3/ 124).
(6)
قال ابن فارس: الغشمرة: إتيان الأمر من غير تثبت، وهذه منحوتة من كلمتين: من الغشم والتشمر؛ لأنه يتشمر في الأمر غاشمًا. انظر: "معجم مقاييس اللغة"(4/ 439).
وعند الزرقاني في "شرح الموطأ"(3/ 124): التغشمر - بغين معجمة - الأخذ قهرًا. وانظر: "المغرب" للمطرزي (ص 466)، و"طلبة الطلبة"(ص 124).
(7)
البيت للمتنبي. انظر "ديوانه"(ص 12).
(8)
انظر مثلا: "المبسوط"(4/ 192)، و"فتح القدير"(3/ 185)، و"البحر الرائق"(3/ 82)، و"الذخيرة" للقرافي (4/ 188)، و"شرح الزرقاني على الموطأ"(3/ 124)، و"شرح مسلم" للنووي (9/ 145)، و"فتح الباري"(9/ 103)، و"مغني المحتاج"(4/ 200)، و"المغني"(9/ 339)، و"الإنصاف"(8/ 3)، و"المبدع"(6/ 81)، و"كشاف القناع"(5/ 5)، و"شرح منتهى الإرادات"(2/ 621).