الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآحاد.
5 -
باعتبار قوته: ينقسم إلى إجماع قطعي، وإجماع ظني، فالقطعي مثل: المعلوم من الدين بالضرورة؛ كَفَرضية الصلاة، والزكاة، ونحو ذلك، والظني: كالإجماع السكوتي الذي غلب على الظن فيه اتفاق الكل.
• وسيكون الحديث في هذا المبحث عن النوع الأول فقط (1)، والذي يدعو إلى ذلك ما يأتي:
أ - أن هذا المبحث ما هو إلا تمهيد للدخول إلى صلب موضوع الرسالة.
ب - أن الحديث عن كل نوع من أنواع الإجماع يفضي إلى الإطالة في التمهيد أكثر مما يجب.
ت - أن أغلب مسائل الإجماع في هذه الرسالة لا تخرج عن هذين النوعين، فهي إما إجماع صريح وإما إجماع سكوتي.
ث - أن هذه الرسالة يغلب عليها الجانب الفقهي أكثر من الجانب الأصولي، فكان لا بد من اختصار الحديث في الجوانب الأصولية.
المطلب الأول: الإجماع الصريح وحجيته:
• تعريف الإجماع الصريح: هو ما كان اتفاق مجتهدي الأمة عليه نطقًا، بمعنى أن كل واحد من المجتهدين نطق بصريح الحكم في الواقعة، نفيًا أو إثباتًا (2).
• حجيته: اختلف العلماء في حجية الإجماع الصريح على ثلاثة أقوال:
القول الأول: ذهب الجمهور من المسلمين عمومًا من المذاهب الأربعة وغيرها إلى أن إجماع المجتهدين في كل عصر حجة (3).
(1) انظر الحديث عن نوعي الإجماع الصريح، والسكوتي في:"كشف الأسرار"(3/ 339)، و"الإحكام" للآمدي (1/ 312)، و"البحر المحيط"(4/ 482)، و"شرح مختصر الروضة"(3/ 126)، و"إرشاد الفحول"(ص 153)، و"علم أصول الفقه" لخلاف (ص 59).
(2)
"شرح مختصر الروضة"(3/ 126).
(3)
انظر: "أصول السرخسي"(1/ 295)، و"كشف الأسرار"(3/ 338)، و"بيان المختصر"(1/ 525)، و"شرح تنقيح الفصول"(ص 324)، و"اللمع في أصول الفقه"(ص 87)، و"التبصرة"(ص 349)، و"شرح الكوكب المنير"(2/ 214)، و"شرح مختصر الروضة"(3/ 126).
أدلة هذا القول: استدل الجمهور بالقرآن والسنة والمعقول على حجية الإجماع الصريح:
• أولًا: الأدلة من القرآن:
1 -
قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء: 115]. هذه الآية أقوى الأدلة على حجية الإجماع، وقد تمسك بها الإمام الشافعي بعد ما استعرض القرآن ثلاث مرّات للبحث عن دليل على حجية الإجماع (1).
• وجه الدلالة: توعد اللَّه سبحانه وتعالى من يتبع غير سبيل المؤمنين بالنار، ولو لم يكن محرّمًا لما توعد عليه، وقد حسن الجمع بين اتباع غير سبيل المؤمنين ومشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم في التوعد (2).
2 -
وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].
• وجه الدلالة: وصف اللَّه سبحانه وتعالى الأمة بأنهم عدول، ولمّا كانت أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة عدل جعلها اللَّه سبحانه وتعالى. حجة على الأمم كلها في قبول قولها عليهم، كما جعل سبحانه وتعالى الرسول صلى الله عليه وسلم حجة علينا في قبول قوله؛ فإذا كان قول الأمة حجة على سائر الأمم، كان إجماعهم حجة على آحادهم (3).
3 -
وقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].
• وجه الدلالة: بين اللَّه سبحانه وتعالى أن الأمة خير أمة بسبب أمرها بكل معروف، ونهيها عن كل منكر، فعلى هذا فإن الأمة -ممثلة بمجتهديها- إذا أمرت بشيء عرفنا أنه معروف، وإذا نهت عن شيء علمنا أنه منكر، فيكون أمرهم ونهيهم حجة (4).
4 -
وقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].
• وجه الدلالة: نَهْي اللَّه سبحانه وتعالى عن التفرق، فكانت مخالفة الإجماع تفرقًا، فكان منهيًا عنه، ولا
(1)"أحكام القرآن" للإمام الشافعي (1/ 53)، وانظر:"الإحكام" للآمدي (1/ 258)، و"الإبهاج" للسبكي (2/ 353).
(2)
"الإحكام" للآمدي (1/ 258)، و"إحكام الفصول" للباجي (1/ 443).
(3)
انظر: "الإحكام" للآمدي (1/ 270)، و"أصول السرخسي"(1/ 297).
(4)
"الإحكام" للآمدي (1/ 273)، و"أصول السرخسي"(1/ 296).
معنى لكون الإجماع حجة سوى النهي عن مخالفته (1).
5 -
وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59].
• وجه الدلالة: أن اللَّه سبحانه وتعالى شرط التنازع في وجوب الرد إلى الكتاب والسنة، فيدل ذلك أنه عند عدم التنازع فالاتفاق على الحكم كاف عن الرجوع إلى الكتاب والسنة، ولا معنى لكون الإجماع حجة سوى هذا (2).
• ثانيًا: من السنة النبوية: قال الآمدي (3): وهي أقرب الطرق في إثبات كون الإجماع حجة قاطعة (4):
1 -
عن ابن عمر (5) رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إن اللَّه لا يجمع أمتي -أو قال: أمة محمد- على ضلالة، ويد اللَّه على الجماعة، ومن شذ شذ في النار"(6).
2 -
عن أنس (7) رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أمتي لا تجتمع على ضلالة، فإذا رأيتم اختلافًا فعليكم بالسواد الأعظم"(8).
(1)"الإحكام" للآمدي (1/ 276).
(2)
"الإحكام" للآمدي (1/ 277)، و"المستصفى"(2/ 299).
(3)
هو أبو الحسن علي بن محمد بن سالم، الملقب بسيف الدين الآمدي، كان حنبلي المذهب، ثم انتقل لمذهب الشافعي، له مصنفات مفيدة في أصول الدين، وأصول الفقه، والمنطق، والحكمة، والخلاف، توفي سنة (631 هـ). انظر في ترجمته:"وفيات الأعيان"(3/ 293)، و"البداية والنهاية"(13/ 164).
(4)
"الإحكام"(1/ 287).
(5)
هو عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، أسلم مع أبيه قبل أن يبلغ الحلم، وكانت أول مشاهده الخندق، وشهد مؤتة، واليرموك، وفتح مصر، وإفريقية، توفي وهو ابن 84 سنة، وقيل: 86 سنة، وذلك عام (74 هـ). انظر في ترجمته:"أسد الغابة"(3/ 336)، و"الإصابة"(4/ 155).
(6)
أخرجه الترمذي (2173)(4/ 68). قال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه. قال ابن حجر: هذا حديث مشهور من طرق كثيرة، لا يخلو واحد منها من مقال، وفيه سليمان بن شعبان المدني؛ وهو ضعيف. انظر:"التلخيص الحبير"(3/ 141).
(7)
هو أنس بن مالك النجاري، الأنصاري، خادم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكان يفتخر بذلك، أمه أم سليم بنت ملحان، دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة المال والولد، آخر من مات من الصحابة بالبصرة سنة (91 هـ)، وقيل: سنة (92 هـ). انظر في ترجمته: "أسد الغابة"(1/ 295)، و"الإصابة"(1/ 275).
(8)
أخرجه ابن ماجه (3950)(2/ 478).
وفيه أبو خلف الأعمى، واسمه: حازم بن عطاء، وأشار في "مصباح الزجاجة" إلى ضعفه. انظر:"مصباح الزجاجة بهامش سنن ابن ماجه"(2/ 478).
3 -
عن أبي مالك الأشعري (1) رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّه أجاركم من ثلاث خلال: أن لا يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعًا، وأن لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق، وأن لا تجتمعوا على ضلالة"(2).
4 -
عن أبي ذر (3) رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اثنان خير من واحد، وثلاثة خير من اثنين، وأربعة خير من ثلاثة، فعليكم بالجماعة، فإن اللَّه لن يجمع أمتي إلا على هدى"(4).
5 -
عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنهما قال: إن اللَّه نظر إلى قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيِّه، يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسنًا فهو عند اللَّه حسن، وما رأوه سيئًا فهو عند اللَّه سيئ (5).
• وجه الدلالة مما سبق: يستدل مما سبق من وجهين:
الأول: أن هذه الأخبار وإن كانت أخبار آحاد، فإنها تدل بمجموعها ضرورة على تعظيم هذه الأمة، وعصمتها عن الخطأ، وذلك كما علم بالضرورة سخاء حاتم، وشجاعة علي، وفقه الشافعي، وأبي حنيفة، وغيرهما، وثبتت تلك بأخبار آحاد، إلا أنها نزلت منزلة المتواتر.
(1) هو أبو مالك الأشعري، اختلف في اسمه؛ فقيل: كعب بن مالك، وقيل: كعب بن عاصم، وقيل: عمرو. قدِم مع الأشعريين المهاجرين إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في السفينة، يعد في الشاميين. انظر في ترجمته:"أسد الغابة"(6/ 267)، و"الإصابة"(7/ 295).
(2)
أخرجه أبو داود (4253)(4/ 98). قال ابن حجر: في سنده انقطاع. انظر: "التلخيص الحبير"(3/ 141).
(3)
هو جندب بن جنادة بن سفيان الغفاري، أسلم قبل الهجرة، فكان رابع أربعة، وقيل: خامس خمسة، ثم عاد إلى قومه، فبقي في قومه إلى أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وذلك بعد الخندق، وبقي معه صلى الله عليه وسلم إلى أن مات رضي الله عنه سنة (32 هـ) بالربذة، وصلّى عليه ابن مسعود. انظر في ترجمته:"أسد الغابة"(1/ 562)، و"الإصابة"(7/ 105).
(4)
أخرجه الإمام أحمد في "المسند"(21293)(35/ 219).
قال الهيثمي: وفيه: البختري بن عبيد بن سلمان، ضعيف. انظر:"مجمع الزوائد"(1/ 249).
(5)
أخرجه الإمام أحمد في "المسند"(3600)(6/ 84). قال الهيثمي: ورجاله موثقون. انظر: "مجمع الزوائد"(1/ 241).
الثاني: أن هذه الأحاديث لم تزل مشهورة بين الصحابة رضي الله عنهم والتابعين، يتمسكون بها في إثبات الإجماع، ولا يظهر أحد فيها خلافًا حتى جاء من أنكر حجية الإجماع، والعاده جارية باستحالة توافق الأمة في كل العصور -قبل ظهور الخلاف في حجية الإجماع- على الاحتجاج بما لا أصل له في إثبات أصل من أصول الشريعة؛ وهو الإجماع، من غير أن ينبه أحد على فساده وإنكاره (1).
• ثالثًا: من المعقول:
1 -
كانت الأمم السابقة إذا ضلت عن الطريق بعث اللَّه لها نبيًّا يعيدها إلى الصواب، ومحمد صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء، ولا نبي بعده، وأمته معصومة عن الخطأ؛ لتكون عصمتها عوضًا عن بعث نبي (2).
2 -
ثبت أن نبينا صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء، وشريعته قائمة إلى قيام الساعة، فمتى وقعت حوادث ليس فيها نص قاطع من القرآن أو السنة، وأجمعت الأمة على حكمها، ولم يكن إجماعهم حجة، فقد انقطعت الشريعة في بعض الأشياء، فلا تكون شريعة دائمة، فيؤدي إلى الخلف في إخبار الشارع، وذلك محال (3).
3 -
إذا اتفق الجمع الغفير في كل عصر على حكم قضية، وجزموا به جزمًا قاطعًا، فالعادة تمنع على مثلهم الجزم بحكم لا يستند إلى دليل قاطع، بحيث لا يتنبه أحدهم لوجود خطأ (4).
4 -
أن أهل كل عصر يُخَطِّئون من خالف الإجماع ممن قبلهم، ولولا اعتبار الإجماع لما خطَّؤوا من خالفه (5).
القول الثاني: ذهب الإمام أحمد في رواية عنه، وداود الظاهري (6) أن الحجة في إجماع الصحابة رضي الله عنهم دون غيرهم (7).
(1)"الإحكام" للآمدي (1/ 279 - 280)، و"المستصفى"(2/ 304)، و"المحصول"(4/ 79).
(2)
"العدة"(4/ 1085).
(3)
"كشف الأسرار"(3/ 383).
(4)
"الإحكام" للآمدي (1/ 282).
(5)
"الإحكام" للآمدي (1/ 282).
(6)
هو أبو سليمان داود بن علي الأصبهاني، أخذ العلم عن إسحاق، وأبي ثور، وغيرهما، كان زاهدًا متقللًا، وكان من المتعصبين للشافعي، وصنّف كتابين في فضائله، أول من قال بالظاهر، والأخذ بالكتاب والسنة دون غيرهما، توفي سنة (270 هـ). انظر في ترجمته:"الفهرست" لابن النديم (ص 167)، و"تاريخ أصبهان"(1/ 312).
(7)
"الإحكام" للآمدي (1/ 288)، و"الإحكام" لابن حزم (4/ 539)، و"الواضح في أصول الفقه"(5/ 130) =
أدلة هذا القول:
1 -
أن الإجماع لا يكون إلا عن توقيف، والصحابة رضي الله عنهم الذين شهدوا التوقيف (1).
2 -
سعة أقطار الأرض، وكثرة العدد من المجتهدين وتفرقهم في الأمصار، بحيث لا يمكن ضبط أقوالهم، ومن ادعى ذلك فلا يخفى كذبه (2).
القول الثالث: ذهب النظّام (3) من المعتزلة، والخوارج، والشيعة إلى أن الإجماع ليس حجة (4).
• قال النظّام: الإجماع كل قول قامت حجته، حتى قول الواحد (5). هذا تعريف الإجماع عنده، ويقصد بذلك الجمع بين إنكاره كون اتفاق المجتهدين حجة، وبين موافقته للعلماء في تحريم مخالفة الإجماع (6).
• أما الخوارج: فكان إجماع الصحابة رضي الله عنهم حجة عندهم قبل حدوث الفرقة بينهم، وأما بعدها فلا حجة في قولهم، بل الحجة في قول طائفة منهم فقط؛ لأن العبرة بقول المؤمنين، ولا مؤمن عندهم إلا من كان على مذهبهم (7).
= و"شرح مختصر الروضة"(3/ 47).
(1)
"الإحكام" لابن حزم (4/ 539)، و"إرشاد الفحول"(ص 149).
(2)
"الإحكام" لابن حزم (4/ 539)، و"إرشاد الفحول"(ص 149).
نقل ابن القيم عن الإمام أحمد ما يلي: (قال عبد اللَّه ابن الإمام أحمد: سمعت أبي يقول: ما يدّعي فيه الرجل الإجماع فهو كذب، من ادعى الإجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا، ما يدريه، ولم ينتهِ إليه؟ فليقل: لا نعلم الناس اختلفوا). قال ابن القيم معقبًا على هذا القول: الذي أنكره الإمام أحمد هو تقديم الإجماع المتوهم على النصوص، وليس كما يظن بعض الناس أنه استبعاد لوجود الإجماع. انظر:"إعلام الموقعين"(1/ 34).
(3)
هو أبو إسحاق إبراهيم بن سيّار، من أئمة المعتزلة، كان شاعرًا أديبًا متكلمًا تبحر في علوم الفلسفة، وانفرد بآراءٍ خاصة تابعته فيها فرقة من المعتزلة نسبت إليه، أُلفت كتب في الرد عليه، فيها تكفير له وتضليل، توفي سنة (231 هـ). انظر في ترجمته:"الفهرست"(ص 211)، و"تاريخ بغداد"(6/ 97).
(4)
المعتمد لأبي الحسين البصري (2/ 4)، و"الإحكام" للآمدي (1/ 257)، "التقرير والتحبير"(3/ 82)، و"مسلم الثبوت"(2/ 169).
(5)
"المعتمد" لأبي الحسين البصري (2/ 4)، و"الإحكام" للآمدي (1/ 257).
(6)
"الإحكام" للآمدي (1/ 257). قال الآمدي: وقوله هذا مردود؛ لأن النزاع معه هنا في إطلاق اسم الإجماع على قول الواحد، وقوله هذا مخالف للوضع اللغوي، والعرف الأصولي.
(7)
"أصول الفقه الإسلامي" للزحيلي (1/ 539).
• وأما الشيعة: فالإجماع الذي يكون حجة لديهم هو قول الإمام المعصوم، وانفراد الإمام المعصوم بقول يكون حجة لا تجوز مخالفته، والإمام المعصوم غير موجود الآن، فلا يحدث إجماع أصلًا (1).
أدلة من يقول: إن الإجماع ليس حجة، وهم النظَّام، والخوارج، والشيعة.
• استدلوا على عدم حجية الإجماع بأدلة من القرآن والسنة والمعقول:
• أولًا: من القرآن:
1 -
قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} .
• وجه الدلالة: تدل الآية على أن القرآن نزل مبينًا لكل شيء، وفي هذا دليل على أنه لا حاجة للإجماع فإن الكتاب غير الإجماع (2).
2 -
وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُول} [النساء: 59].
• وجه الدلالة: إذا تنازع المسلمون في حكم وجب رده إلى القرآن والسنة فقط، فلا حاجة إلى الإجماع (3).
3 -
وقال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]. وقال أيضًا: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169]. وقال: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32]. إلى غير ذلك من الأدلة التي ورد فيها النهي عن المعاصي.
• وجه الدلالة: ما ورد في هذه الآيات وفي غيرها يدل على تصور وقوع المعاصي من هذه الأمة، ومن يتصور منه المعصية لا يكون قوله وفعله موجبًا للقطع (4).
• ثانيًا: من السنة:
1 -
عن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ بن جبل (5) رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبعث معاذًا إلى اليمن قال: "كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ " قال: أقضي بكتاب اللَّه، قال:"فإن لم تجد في كتاب اللَّه؟ " قال: فبسنة رسول اللَّه، قال:"فإن لم تجد في سنة رسول اللَّه، ولا في كتاب اللَّه؟ " قال: أجتهد
(1)"أصول الفقه الإسلامي" للزحيلي (1/ 539).
(2)
"الإحكام" للآمدي (1/ 269).
(3)
"الإحكام" للآمدي (1/ 269).
(4)
"الإحكام" للآمدي (1/ 261).
(5)
هو أبو عبد الرحمن معاذ بن جبل الأنصاري، أحد السبعين الذين شهدوا العقبة، شهد بدرًا، وأحدًا والمشاهد كلها، بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن؛ فلم يزل بها إلى أن توفي النبي صلى الله عليه وسلم، توفي رضي الله عنه في طاعون عمواس سنة (18 هـ). انظر فى ترجمته:"أسد الغابة"(5/ 187)، و"الإصابة"(6/ 107).
رأيي ولا آلو، فضرب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صدره وقال:"الحمد للَّه الذي وفق رسول رسول اللَّه لما يرضي اللَّه ورسوله"(1).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر معاذًا لمّا سأله عن الأدلة المعمول بها، وأهمل ذكر الإجماع، ولو كان الإجماع معتبرًا لما أقره على إهماله (2).
2 -
عن أبي هريرة (3) رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء"(4).
• وجه الدلالة: هذا دليل على أنه يجوز خلو العصر ممن تقوم به الحجة (5).
ثالثًا: من المعقول: أن أُمة محمد صلى الله عليه وسلم أُمة من الأمم، فلا يكون إجماعهم حجة، كغيرهم من الأمم (6).
• الترجيح: أولًا: مذهب أهل السنة والجماعة القائل بحجية الإجماع الصريح يجب القول به، وعدم النظر لخلاف أهل البدع في القول بأن الإجماع ليس حجة.
ثانيًا: يعتبر الإجماع الصريح حجة في كل وقت، ولا يختص ذلك بعصر الصحابة فقط؛ لما يأتي:
1 -
أفادت النصوص التي استدل بها الجمهور عصمة الأمة إذا أجمعت على قول، فمتى ثبت إجماع الأمة على قول وجب المصير إليه.
2 -
أنه لا يصح حصر الإجماع بعصر الصحابة رضي الله عنهم دون غيره من العصور؛ لأن أدلة
(1) أخرجه أبو داود (3592)(3/ 303)، والترمذي (1332) (3/ 62). قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتصل. وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح؛ وإن كان الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم ويعتمدون عليه، وإن كان معناه صحيحًا. انظر:"العلل المتناهية"(2/ 758). وقال ابن حجر: فيه الحارث بن عمرو؛ وهو مجهول. انظر: "التلخيص الحبير"(4/ 283).
(2)
"الإحكام" للآمدي (1/ 261)، و"شرح العضد"(2/ 33).
(3)
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأكثرهم حديثًا عنه، اختلف في اسمه اختلافًا كثيرًا، استعمله عمر على البحرين، ثم عزله، ثم أراده على العمل فامتنع، سكن المدينة، وبها مات، سنة (57 هـ)، وقيل:(58 هـ) انظر في ترجمته: "أسد الغابة"(6/ 313)، و"الإصابة"(7/ 348).
(4)
أخرجه مسلم (145)"شرح النووي"(2/ 144).
(5)
"الإحكام" للآمدي (1/ 261).
(6)
"الإحكام" للآمدي (1/ 262).