الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل ترث الزوجة إذا كان زواجها عرفيا
[السُّؤَالُ]
ـ[لي صديق مات خاله وكانت له أخت شقيقة وأخوان غير شقيقين وزوجة تبين أن الخال كان من قبل متزوجها زواجاً شرعياً بقسيمة زواج وبعد ذلك طلقها وتزوجها عرفياً ومات، ونظراً لأن الأخت كانت على خلاف مع أخوتها غير الأشقاء فلم تظهر أن الزواج كان عرفياً بل أظهرت صورة الزواج الشرعي لكي لا تعطي إخوتها نصف الميراث بحيث أخذت هي النصف والزوجة الربع والأخوان الربع، وكانت نظرتها لأنها لا تريد أن تحرم هذه الزوجة من حقها في الميراث، ما حكم الشرع في هذه الفتوى رغم أن هذه السيدة تعتبر سيدة صالحة في كل شيء ولكن كذبت، فما حكم الشرع؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان المتوفى قد راجع زوجته قبل انقضاء عدتها، فلا يحتاج إلى عقد نكاح جديد، والرجعة في العدة كافية في إثبات علاقة الزوجية، أما إذا لم يكن راجعها حتى انقضت عدتها فلا يملك ردها إلى عصمته إلا بعقد جديد، ولا يضر تسمية هذا العقد بالعرفي أو الرسمي ما دام قد توفرت فيه جميع شروط النكاح، ولا خلاف في صحته شرعاً، ولا يضره كونه لم يوثق في المحاكم أو الدوائر الحكومية المختصة، والشروط التي يتوقف صحة النكاح عليها هي:
1-
ولي المرأة كأبيها أو ابنها وما شابه ذلك.
2-
الصداق، لقول الله تعالى: وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً {النساء:4} ، ولقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: التمس ولو خاتما من حديد.
3-
الصيغة وهي كل لفظ يقتضي الإيجاب والقبول من الطرفين.
4-
شاهدان يشهدان على وقوع النكاح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي وشاهدين. رواه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير.
فإذا فقد العقد شيئاً مما ذكرنا كان النكاح فاسداً، والوطء الحاصل في النكاح الفاسد المختلف فيه والذي يعتقد فاعله حله يعتبر وطء شبهة، يلحق بهذا النكاح الولد ويثبت به الميراث إذا استمر حتى وفاة الزوج.
فالفقهاء رحمهم الله قد نصوا على أن النكاح الفاسد المختلف فيه بعد الدخول تترتب عليه آثار النكاح الصحيح، والنكاح بدون ولي ولا شهود مختلف فيه، كما نقل ذلك صاحب نهاية المحتاج من الشافعية، عن داود الظاهري فقال شارحا لكلام النووي: وكذا كل جهة أباح بها عالم يعتد بخلافه لشبهة إباحته، وإن لم يقلده الفاعل، كنكاح بلا شهود على الصحيح، كمذهب مالك على ما اشتهر عنه، لكن المعروف عن مذهبه اعتبارها في صحة الدخول حيث لم يقع وقت العقد، أو بلا ولي كمذهب أبي حنيفة، أو بلا ولي وشهود كما نقل عن داود. انتهى.
وقال ابن قدامة في المغني: ولا يجب الحد بالوطء في نكاح مختلف فيه كنكاح المتعة والشغار والتحليل والنكاح بلا ولي وشهود.
وقال صاحب كشاف القناع ما معناه: أن من تزوج بلا ولي ولا شهود فإن وطأه بذلك وطء شبهة يلحق به الولد ويتوارث معه، ولكن يستحقان العقوبة على مثل هذا العقد.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ممثلاً للأنكحة المختلف فيها: كمن وطئ في نكاح المتعة أو نكاح المرأة نفسها بلا ولي ولا شهود، فإن هذا إذا وطئ فيه يعتقده نكاحا لحقه فيه النسب.
وقال رحمه الله في موضع آخر: فإن المسلمين متفقون على أن كل نكاح اعتقد الزوج أنه نكاح سائغ إذا وطئ فيه فإنه يلحقه ولده ويتوارثان باتفاق المسلمين، وإن كان ذلك النكاح باطلا في نفس الأمر بإتفاق المسلمين.
وعليه فيثبت بهذا النكاح النسب والعدة بالخلوة أو بالموت، كما يثبت به الميراث إذا حصل الموت قبل الفسخ، قال المواق في التاج والإكليل: وتقع فيه الموارثة قبل الفسخ. انتهى.
وبناء على هذا فإن حق هذه المرأة ثابت في الميراث على كل تقدير، سواء كان عقد النكاح صحيحاً أو فاسداً.
ثم إننا ننبه السائل إلى أن أمر التركات أمر خطير جدا وشائك للغاية، وبالتالي، فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقا لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة للمحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقا لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
09 محرم 1427