الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حالات موت متوارثين بحادث وحكم كل حالة
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي رجل وزوجة وأبناؤه في حادث مروري في وقت واحد وترك كل منهما ورثة شرعيين
الزوج ترك أخوين والزوجة لها أم وأخ وثلاث بنات أخوات لها وقد قام الزوج بتأجير شقة قام هو بتأسيسها بالكامل دون اشتراك الزوجة كما هو معتاد فمن يرث محتويات الشقة بالرغم من تسديد إخوة الزوج لإيجار الشقة بعد وفاة أخيهم ولمدة عامين كاملين]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا مات متوارثان فأكثر بهدم أو غرق أو حرق أو طاعون أو حادث سيارة أو طائرة، أو نحو ذلك فلهما خمس حالات:
الأولى: أن يتأخر موت أحد المتوارثين، ولو بلحظة، فيرث المتأخر المتقدم إجماعاً.
الثانية: أن يتحقق موتهما معاً، فلا إرث بينهما إجماعاً.
الثالثة: أن يُجهل الحال، فلا يُعلم أماتا معاً أم سبق أحدهما الآخر؟
الرابعة: أن يُعلم سبق أحدهم الآخر لا بعينه.
الخامسة: أن يُعلم السابق بالموت، ثم يُنسى.
وقد حصل الإجماع -كما ذكرنا- في الحالتين الأوليين، والنزاع حاصل في الحالات الثلاثة الأخيرة:-
فمذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية وهو الراجح أنه لا يرث أحد الأموات من الآخر، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وجده المجد -رحمهما الله- قال النووي في المنهاج: ولو مات متوارثان بغرق أو هدم أو في غربة معاً أو جُهل أسبقهما، لم يتوارثا، ومالُ كل لباقي ورثته. انتهى
وقال صاحب تنوير الأبصار -وهو حنفي-: لا توارث بين الغرقى والحرقى، إلا إذا عُلم ترتيب الموتى، ويُقسم مالُ كل منهم على ورثته الأحياء. انتهى
وبهذا قال جماعة من الصحابة، منهم أبو بكر الصديق وزيد بن ثابت وابن عباس كما نقله ابن قدامة في المغني.
ووجه هذ القول: أن من شروط الإرث تحقق حياة الوارث بعد موت المورث، وهذا الشرط ليس بمتحقق هنا، بل هو مشكوك فيه، ولا توريث مع الشك في السبب، ولأن حال الغرقى والحرقى ومن ماتوا في الهدم مجهول بالنسبة لنا، والقاعدة أن "المجهول كالمعدوم ما دام مجهولاً" لأن توريث بعضهم من بعض يلزم منه التناقض، إذ مقتضى كون أحدهما وارثاً، أنه متأخر، ومقتضى كونه موروثاً، أنه متقدم فيكون كل واحدٍ منهم متقدماً متأخراً، وهذا عين التناقض.
وقد لخص الرحبي رحمه الله هذا القول في منظومته في الفرائض فقال:
وإن يمت قوم بهدم أو غرق
…
أو حادث عم الجميع كالحرق
ولم يكن يُعلم حال السابق
…
فلا تورث زاهقاً من زاهق
وعُدَّهم كأنهم أجانب
…
...
…
فهكذا القول السديد الصائب
وبناءً على هذا، فإن كل ميت في المسألة المذكورة يُعد أجنبياً عن الأخر، ويكون مال كل واحدٍ منهم لورثته الأحياء دون من مات معه في الحادث.
فيكون للأخوين ما ترك أخوهما (الزوج) بالتساوي كما ورد في آية الكلالة: َوَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء: 176] . والإخوة هنا ذكور فيكون نصيب كل واحدٍ منهما كالآخر.
وأما الزوجة، فإن ما تركته يوزع على أمها وأخيها وأخواتها الثلاث، للأم السدس لوجود عدد من الإخوة الذكور والإناث، وللأخ وأخواته الثلاث الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين، وقد انتهينا بذلك من بيان أهل الاستحقاق مع ذكر أنصبائهم وبقي أن نبين، أي الورثة أحق بمحتويات هذه الشقة؟ فنقول: إن كلاً من ورثة الزوج والزوجة، يقوم مقام مورثه في ادعاء هذا المتاع. وبهذا قال جمهور العلماء من الحنفية والحنابلة والشافعية وغيرهم.
وحيث قامت البينة على أن الزوج هو الذي قام بتأثيث الشقة دون اشتراك الزوجة معه أو شهد العرف بذلك ولم يعترض ورثة الزوجة، فالأثاث من حق ورثة الزوج. أما إذا اعترض ورثة الزوجة، ولم توجد لورثة الزوج بينة ولم يشهد لهم العرف بذلك، فكل ما يصلح للرجال يكون لورثة الزوج بيمينهم، وكل ما يصلح للنساء يكون لورثة الزوجة بيمينهم، عند الحنفية والمالكية، وبدون يمين عند الشافعية والحنابلة، وما يصلح لهما معاً فهو بين ورثتهما بالسوية. وهذا مذهب الشافعية. قال في تبيين الحقائق للزيلعي: اتفقوا أن ما يصلح لأحدهما فهو لمن يصلح له في الحياة والموت، حتى تقوم ورثته مقامه. انتهى
وقال خليل في مختصره: وفي متاع البيت فللمرأة المعتاد للنساء فقط بيمين، وإلا فله بيمين. انتهى
وقال في كشاف القناع ما نختصره: وإن تنازع زوجان أو ورثتهما أو أحدهما وورثة الآخر، في قماش البيت ونحوه، أوبعضه، فما يصلح للرجال كالعمامة والسيف فللرجل، وما يصلح للنساء كحليهن وثيابهن فللمرأة. انتهى
ولم يذكر السائل أن للبنات اللاتي متن معه في الحادث مالاً فلذلك لم نشر إلى ذلك.
ثم إننا ننبه السائل الكريم إلى أن أمر التركات أمر خطير جداً وشائك للغاية وبالتالي فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقاً لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وراث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة المحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقاً لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
16 ربيع الثاني 1423