الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم يعدل بينهن أبوهن بينهن وبين إخوتهن وأقرت أمهن هذا الجور
[السُّؤَالُ]
ـ[توفي والدي رحمه الله، وترك عقارات وأراض مختلفة القيمة، ومصنعا، وكان قبل موته بسنوات قد سجل بيعا وشراء بعض الأراضي للذكور دون الإناث، وفي مرض موته كتب للذكور أيضا المصنع الذي يملكه، وبعد وفاته قرر الذكور إخراج البنات من التركة بتقدير مبلغ قيل إن الوالد هو من قرره، على أن يكون انتفاعنا بالشقة التي نسكن بها حال حياتنا، وعليه لم نأخذ ما يثبت أي حق لنا في أي شئء اتكالا على ماقرروه وارتضيناه كرها لأنه لاحيلة لنا- مع وجود الأم وموافقتها على قرارهم- أن نجادل، ولكن مع طول المدة-عشر سنوات على الوفاة- والمماطلة في أخذ ماقرروه والتراجع عنه أحيانا، وإجبارنا على البيع لهم وحدهم ووفقا لظروفهم، فإننا نحن البنات وقد توفيت إحدانا قريبا قررنا أن نعود عليهم بكامل حقنا في ماترك الوالد عن اقتناع بأن الوالد عندما كتب لهم التركة كان بقصد حرماننا دون التعويض المساوي لحقيقة حقنا، ولدى الأم والإخوة الذكور قناعة بأن البنت لايجب أن تستوفي حقها، علما بأن ماكتبه الوالد للذكور لم يكن في حوزتهم حال حياته، وكان رحمه الله سخيا معهم إلى أبعد حد، ممسكا علينا نحن البنات باعتبارنا مسؤولات من أزواجنا، وعليه لم يكن يعطينا أي شيء من أمواله اللهم إلا شقة أسكننا فيها- جزاه الله عنا خيرا- يرفض الذكور تمليكنا إياها بموجب عقد قسمة، ويريدون شراء أي شئ منا بالثمن الذي يقررونه باعتبار أن هذا إرث لايجب أن يباع بقيمته الحقيقية.
والسؤال: هل تصح هذه الطريقة في القسمة من إكراه البنات على وضع ما دون تخييرهن؟ هل مانجده في أنفسنا تجاه الأم جراء موافقتها وعدم إنكارها على الذكور فيه إثم علينا؟ نحن سامحنا الوالد وأمنا تلقي باللائمة عليه كونه لم يكن رحيما بنفسه، ولاتوصي الأبناء بتبرئة ذمته؟ والأبناء على أعلى مستوى من التعليم والفهم أيضا لكنهم في هذه المسألة يظنون أن هذه وصية من الأب هم أولى بها. فمن يقرر قيمة تعويضنا مقابل خروجنا من التركة أليس من حقنا نحن تقرير ذلك؟ ماحكم منعهم لنا وعدم شعورهم بحاجتنا إلى حقنا رغم أنهم زادو افي التركة الكثير ويستمتعون وحدهم بكل ريعها من دوننا؟ هل تجوز المطالبة بأصل الحق وماترتب عليه من زيادة مع حسم قيمة جهدهم؟ واذا كنا ارتضينا أن يستأثروا بالثلث وطالبنا الإرث في الباقي فرفضوا فهل هذا عدل؟ وماحكم ماهم فيه من دوننا فيما ترك أبونا رحمه الله؟ أرجو الإفادة البالغة والمستوفية لأن حال بلدنا على هذا الامتهان للمرأة بحرمانها كل حقها في تركتها يمثل مأساة بمعنى الكلمة، وأرى آثارها في نفسي وفي شكوى النساء بشكل عام؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت بقولك: قد سجل بيعا وشراء بعض الأرارض للذكور.. تقصدين أنه قد كتبها باسمهم دون أن يكون ثمة بيع أو شراء حقيقة. فالجواب أن مجرد تسجيل الوالد لبعض الأراضي باسم الذكور لا تصير به تلك الأراضي ملكا لهم ما لم يحوزوها في حياة أبيهم، وتصير الكتابة في حكم الوصية، بل لو حازوها في حياة أبيهم فإن الهبة تعتبر باطلة على الصحيح من أقوال الفقهاء إذا لم يعط الوالد لبناته ما يتحقق به العدل في العطية، وكذا كتابة المصنع باسم الذكور دون البنات تعتبر وصية لوارث، ولا تمضي إلا برضى الورثة بمن فيهم البنات كما بيناه في الفتويين رقم: 100630، 118835. فإذا لم يرض الورثة بإمضائها فإن لمن لم يرض منهم الحق في أخذ نصيبه من الميراث من الأراضي، ومن المصنع، ومن كل التركة، والمبلغ الذي قرره والدكم لترثوه لا عبرة به أيضا والله تعالى أعطى كل ذي حق حقه، فلا حاجة لتقدير والدكم الذي يظهر من السؤال أنه جار في وصيته، وتسبب في حرمان بناته من الميراث.
وموافقة الأم لأبنائها على الجوروالظلم يجعلها مشاركة لهم في الإثم، ولا شك أن استئثار الذكور بالتركة والمماطلة في إعطاء البنات حقهن، وإكراههن على البيع بالسعر الذي يريده الذكور، وموافقة الأم على ذلك، لا شك أن ذلك كله تعد لحدود الله تعالى وظلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة. رواه البخاري ومسلم.
فعلى الذكور والأم أن يتقوا الله تعالى، وليعلموا أن غمسة واحدة في جهنم تنسي صاحبها نعيم الدنيا، ولا حرج على البنات فيما يجدنه في أنفسهن من عدم الرضا عن صنيع الأم بشرط أن لا يؤدي ذلك إلى العقوق.
وأما السؤال عما إذا كان للبنات الحق في المطالبة بما نتج من التركة من زيادة؟ فجوابه: أن الإخوة استثمروا نصيب البنات على وجه الغصب، وقد اختلف العلماء في الربح الناشئ عن استثمار المال المأخوذ غصبا هل يستحقه الآخذ أم المأخوذ منه أم يكون بينهما؟ وقد رجحنا أنه للغاصب لأنه ضامن للمال.
وانظري لذلك الفتوى رقم: 49280. بعنوان: حكم ما حصل من الربح في التجارة في الميراث.
والذي ننصحهن به هو أن يرفعن الأمر إلى المحكمة الشرعية لتأخذ لهن حقهن، وإن لم توجد محكمة شرعية فليطالبن إخوانهن بالتحاكم إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم ممن تتوفر فيهم شروط القضاء، فإن كان فيهم خير فسيرضون بذلك، وقد قال الله تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. {النور:51} .
وإن رفضوا أن يتحاكموا إلى الشرع واستعاضوا عنه بالقوانين الجائرة التي تعينهم على الباطل فقد قال الله تعالى: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ*وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ*أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. {النور:50،48} . والموعد عند الله تعالى: يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ. {غافر:52} .
وانظري الفتوى رقم: 59633. بعنوان: حرمان النساء من إرثهن خلق الجاهلية الأولى. وكذا الفتوى رقم: 102839. والفتوى رقم: 97300. عن التنازل عن الميراث رؤية شرعية اجتماعية. والفتوى رقم: 117675. عن ما يلزم الأبناء إذا كتب الأب ممتلكاته باسمهم دون البنات، والفتوى رقم: 122111 بعنوان: كتابة البيت باسم بعض الأولاد بدون سبب موجب ظلم وجور.
والله أعلم.
[تَارِيخُ الْفَتْوَى]
21 جمادي الثانية 1430